“رغم الأحزان”… دراما تركية عن معركة العسكر ضد الحجاب

 

 

استطاع المسلسل التركي (رغم الأحزان) الذي بدأ بثه أواخر 2013، أن يجذب جمهورا عريضا لمتابعة حلقاته التي تناهز 190، موزعة على جزءين.

يتناول المسلسل الذي أخرجه (باشق سوسيال) عن سيناريو للكاتب (أرتان شانيوفا)، قصة فتاة تدعى (إيليف)، وقامت بدورها الممثلة الشابة Ergül Miray Şahin، تواجه الكثير من المتاعب في حياتها بدءا من خطفها من أسرتها وإرسالها إلى أسرة فقيرة تتولى رعايتها، وحين يقارب عمرها العشرين عاما تجبرها الأسرة على الزواج لكنها تهرب إلى إسطنبول يوم زفافها بمساعدة الضابط الشاب/ عزيز، الذي قام بدوره الممثل Batuhan Aydar وهناك تتضاعف معاناتها من قبل الجنرال (قـُدرت) شقيق أمها الذي أخفاها في الريف بعيدا عن أخته (رنا)، بعد ما أبلغها بوفاة بنتها (إيليف) أثناء الولادة.

الجنرال الذي يتمتع بقدر كبير من النفوذ بحجة (حماية العلمانية ومحاربة الرجعية)، يعمل بكل ما يستطيع لأجل الحصول على المزيد من الرتب العسكرية والنياشين والأوسمة، وفي سبيل ذلك يبدأ حربه ضد المتدينين مستهلا حربه بالتفريق بين أخته وزوجها الذي يبدو متدينا معتدلا، ولكي يقطع كل صلة بينهما اختطف بنتهما الوحيدة فور ولادتها ودفع بها بعيدا عن والدتها، كما أبعد عنها زوجها.

في هذا المسلسل تقترب الدراما التركية من قضايا حساسة لا تزال شواهدها باقية في الواقع وفي الذاكرة، إذ تسلط الضوء على معاناة المجتمع من التشدد العلماني الذي بلغ ذروته في ما عرف بـ(حركة 28 شباط)

وتمر السنوات وإيليف تقضي طفولتها في القرية، ثم تهرب إلى إسطنبول وهنا تتعقد معاناتها أكثر بسبب ارتدائها الحجاب في الوقت الذي كان جنرالات الجيش يستخدمون كل الوسائل لمنع الحجاب في المؤسسات الحكومية، وخاصة جامعة إسطنبول المركزية التي ستكون مسرحاً رئيساً لأحداث المسلسل، حيث تعمل البطلة على تحقيق حلمها في أن تصبح طبيبة، رغم أن مديرة الجامعة تضغط بكل ما أوتيت من قوة ومن نفوذ لإجبار الفتيات على خلع الحجاب، دون أن تعلم أن الفتاة التي تقود خصومها هي ابنتها التي لا تعلم هي الأخرى أن مديرة الجامعة التي وجهت بطردها وفصلها أكثر من مرة هي والدتها.

وينجح المسلسل في تجسيد الواقع وتقديمه بقالب فني متميز، عبر عمل درامي يجذب الانتباه بديناميكية فصوله ومشاهده وتنوع أشخاصه وأدوارهم وصفاتهم مع إبراز كثير من السمات والخصائص وتقريبها من المشاهد بصورة تجعله أكثر حرصا على المتابعة وعدم قطع العلاقة الحميمة التي تربطه بأبطال المسلسل، ويتجلى ذلك بوضوح في الكثير من التعليقات التي يتركها المشاهدون على مواقع الإنترنت وقنوات اليوتيوب، وخاصة دول المغرب العربي التي أطل عليها المسلسل من خلال عدد من القنوات الفضائية منها (حنبعل) التونسية، و(الشروق) الجزائرية، التي عرضت المسلسل مدبلجاً إلى اللهجة الجزائرية للمرة الأولى، وبحسب تقارير صحفية حظي المسلسل بمتابعة جيدة منذ الحلقات الأولى، وحقق البرومو الدعائي نسبة مشاهدة عالية على موقع “اليوتيوب” قدرت بـ10 ملايين مشاهدة.

وفي حين يبدو المسلسل مكتظا بالأحداث والمواجهات، فإنه يبدو كذلك ممتلئا بالمواقف الشاعرية المختلفة، كما وتحضر الأغاني المعبرة والإيقاع المؤثر حتى مع الإبقاء على الكلمات في لغتها التركية دون ترجمة، فإن الموقف يظل كفيلا بترجمتها إن لم تكن ترجمة حرفية فهي ترجمة شعور لا تضل طريقها نحو المشاهد المأخوذ بما يدور هناك، وإن كانت غلبت على المسلسل كثرة الاختطافات التي تبدو السلاح الأكثر استخداما، ولا يقتصر عمل الاختطاف على العصابات الكبرى والأشخاص النافذين، كما أنه يطاول أغلب أبطال المسلسل.

في هذا المسلسل تقترب الدراما التركية من قضايا حساسة لا تزال شواهدها باقية في الواقع وفي الذاكرة، إذ تسلط الضوء على معاناة المجتمع من التشدد العلماني الذي بلغ ذروته في ما عرف بـ(حركة 28 شباط)، التي يتحدث عنها بشكل صريح، وهي الحركة التي نفذتها قيادة الجيش مطلع عام 1997، وتتضمن هذه الحركة القرارات الصادرة عن قيادة القوات المسلحة التركية التي عجلت باستقالة الحكومة الائتلافية التي تضم حزب الرفاه بقيادة أربكان والطريق القويم بقيادة تانسو تشيلر، وتلتها انتهاكات واسعة للحقوق والحريات، تمثلت في إغلاق المدارس الدينية والتضييق على الأئمة والخطباء، وحظر الحجاب في الجامعات.

وفي عتمة الأحداث الملتهبة وفي خضم الحرب المستعرة لا يخلو المسلسل من النماذج الإيجابية في مختلف المؤسسات، بما فيها الجيش والأمن، حيث تعمل هذه الشخصيات على نصرة قيم الحرية والديمقراطية وتخفيف وطأة العسكر على الحياة العامة لكن دون أن تصطدم بتلك القيادات المتصلبة والمتشددة في حربها ضد ما تصفه بـ”الرجعية”، والرجعية هي كل ما يخالف توجهات العسكر.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *