أرشيفات التصنيف: مقالات

موقفنا من “عاصفة الحزم”

ربما تساءل المراقبون والمتابعون لما يجري في اليمن عن جدوى التدخل العسكري العربي عبر حملة “عاصفة الحزم”، الهادفة لتقويض القوة العسكرية التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون، وهذا التساؤل مردّه الخشية من العواقب السلبية التي تخلفها الحلول العسكرية سواء أكانت داخلية أو خارجية، حيث يظل الحوار بين المكونات المختلفة هو الطريق الآمن لحل مشاكل الحاضر وصناعة المستقبل. متابعة قراءة موقفنا من “عاصفة الحزم”

“الهويات القاتلة” تمزق اليمن

 

مقالي في الصحيفة الإلكترونية “رأي اليوم”

كل المؤشرات والدلائل في اليمن، وآخرها مغادرة البعثات الأجنبية وإعلاق السفارات، تقود إلى شيء واحد: اليمن يتمزق، بعد سيطرة جماعة الحوثي على الأوضاع بشكل انفرادي وبطريقة مسلحة تستقوي بالعنف وتعتمد القتل والتصفيات والاقتحام والحصار مفردات أثيرة في تعاملها مع بقية الأطراف.

كانت الجماعة الشيعية المسلحة تنطلق من مفهوم “الدفاع عن هوية الطائفة الزيدية”، من الاستهداف الرسمي من قبل السلطة، لكنها بعد ما غادرت محيطها الجغرافي في أقصى الشمال، باتت تتحدث عن “الدفاع عن الهوية اليمنية” من مخاطر الوصاية الأجنبية والقاعدة وداعش والعملاء، والتكفيريين، والمفردات السابقة ليست حصرا على قوى بعينها لكنها قابلة لأن تلصق بأي طرف أو شخص يعارض رغبة الحوثيين في السيطرة على البلد، دون أن تكف عن ترديد شعارها “الموت لأمريكا – الموت لإسرائيل”.

متابعة قراءة “الهويات القاتلة” تمزق اليمن

الربيع العربي في 2015 من وجهة نظر أمريكية

 

في قراءته لمآلات الربيع العربي، في العام الجاري 2015، يرى الباحث الأمريكي: آرون دافيد ميلر، AARON DAVID MILLER، أن الربيع العربي بعد مرور 4 سنوات تدهور إلى كارثة، فليبيا، وسوريا، والعراق، واليمن، تواجه درجات متفاوتة من الحرب الأهلية والتمرد والانهيار. ومصر تبدو اليوم أقل حرية ورخاء مما كانت عليه في عهد حسني مبارك. متابعة قراءة الربيع العربي في 2015 من وجهة نظر أمريكية

هكذا تكلم مستشار الرئيس اليمني

 

 

الحقائق التي كشف عنها الدكتور/عبدالكريم الإرياني المستشار السياسي للرئيس اليمني/عبدربه منصور هادي، في مقابلة صحفية أجرتها معه صحيفة سبتمبر التابعة لوزارة الدفاع، جاءت في بعض مضامينها  صادمة لكثيرين، وأثارت لدى آخرين كثيرا من الأسئلة وعلامات الاستفهام، غير أنها – في تقديري- وضعت النقاط على الحروف في قراءة المشهد اليمني الحاضر بإنصاف ووعي وموضوعية، على الرغم مما يمكن أن تقابل به من رفض وتشكيك لدى الطرف/الأطراف التي أشير إلى ضلوعها في تقويض بناء الدولة والتمهيد لسيطرة الميليشيا الحوثية (الشيعية) التي بسطت نفوذها على العاصمة صنعاء منذ 21 سبتمبر/أيلول الماضي.

متابعة قراءة هكذا تكلم مستشار الرئيس اليمني

أدوات الانتقام القذرة في اليمن

 

يستطيع الحوثيون أن يروجوا خرافاتهم للقطيع الذي يتلقف إفكهم وافتراءاتهم كيفما كان، لكنهم لن يستطيعوا أن يقنعوا أحدا – بما فيها عناصر القطيع نفسه- أن ما يقومون به ثورة، ذلك أن للثورة أخلاق، وقد أثبتوا أن بينهم وبين أخلاق الثورة أبعد مما بين المشرق والمغرب، وهل من الأخلاق اقتحام المساكن ونهبها؟

وماذا عن مداهمة المؤسسات العامة والخاصة والسطو على ممتلكاتها؟

  كان بإمكان القيم النبيلة- حال وجودها- أن تحول بينهم وبين ارتكاب الحماقات التي أثبتت افتقارهم للقيم التي افتقر إليها آباؤهم حينما نهبوا كل شيء في صنعاء عقب ثورة 1948. مع فارق طفيف أن الآباء لم يتحرجوا من كونهم نهابين ولصوص، بينما الجيل الثاني بات يطلق على نفسه “لجان شعبية” أحيانا، و”مسيرة قرآنية” أحيانا أخرى.

الجيل الجديد يمارس القتل باعتباره أحد طقوس المسيرة القرآنية، ويقوم بالسرقة بوصفها من اختصاص اللجان الشعبية،

والحقيقة أننا أمام جيل منتقم من التاريخ والجغرافيا والبلد والسياسة والدولة والثورة، مهما وضعوا على أنفسهم من أدوات التجميل ومساحيق الخداع، لأنها لا تلبث أن تذوب كلما لامست شمس الحقيقة.

كان بمقدور اللصوص الحوثيين أن يوهمونا أن ما قاموا به ثورة ضد الفساد لو رأيناهم يواجهون فاسدا واحدا من الفاسدين الذين بقوا في صف زعيم الفساد حتى آخر لحظة.

أما من تركوا صالح فقد أصابتهم لعناته عبر أحقر أدواته، وهل كان سيجد أنسب من هذه الأدوات وأقذر منها لممارسة الانتقام الدنيء؟

هاجمت عصابات الحوثي منازل ومؤسسات خصوم صالح، ولو قرروا مهاجمة خصومهم لكان صالح أول هدف لهم، لأنه ببساطة حاربهم ست مرات وشردهم سنوات، وقتل سيدهم شر قتلة.

لم تكن توكل كرمان ضمن الجيش الذي حارب الحوثيين في صعدة، ولكنهم اقتحموا منزلها بصورة تليق بهم وبافتقارهم للقيم والأخلاق.

ولم يشارك طلاب جامعة صنعاء الذين تعتدي عليهم لجان الحوثي الشعبية وبشكل شبه يومي، في أي مواجهة عسكرية بصعدة ضدهم، ومع ذلك فلا زالت ممارسات ميليشيا الحوثي تمارس الانتقام بحقهم، وغالب الظن أن للموضوع صلة بتصدر الجامعة ومنتسبيها للثورة الشعبية ضد نظام صالح.

منذ سقوط العاصمة صنعاء في قبضة الميليشيا قبل أكثر من شهرين، لم تستطع آلة التضليل الحوثية أن تقدم تفسيرا مقبولا لانتقامها ممن قرروا مواجهة صالح في لحظة تاريخية.

بل لم تحاول أبواق الحوثي بصراخها المشئوم أن تجيب على السؤال: ما الذي يجعلهم يركنون إلى صالح وهو الذي قاتلهم – كما زعموا- في ستة حروب أكلت الأخضر واليابس؟

ما دام صالح ورجاله الفاسدون يسرحون ويمرحون بحماية عصابات الحوثي، فلا مناص أمامهم من الاعتراف أنه هو من يقود انتقامهم ويوجه دفة إجرامهم، صالح هو ربان سفينة الحوثيين، لأنه أجاد التموضع فوق ظهورهم التي عرف كيف يجعلها رخوة وسهلة الامتطاء.

كان البعض يتساءل: من يركب الآخر؟ هل صالح يركب الحوثيين أم العكس؟

فجاءت الأحداث لتجيب قائلة بوضوح: ركب الحوثيون فوق صالح ورجاله وبقايا سلطته الفاسدة حتى وصلوا صنعاء، وبعدها جاء الدور عليهم ليمتطي صالح ظهورهم ويقودهم إلى حيث تقوده رغبته في الانتقام، وما كان له أن يجد أقدر منهم على القيام بهذه المهمة التي تتطلب قدرا وافرا من السقوط الأخلاقي.

ولعل صالح يتورع عن ممارسة الانتقام بهذه الطريقة فقرر أن يجعل منهم قفازات تحمل عنه نجاسة ما يقدمون عليه.

باختصار.. الحوثيون أدوات قذرة قرر صالح في لحظة انهيار نفسي أن يستخدمهم، أما حكاية أنهم ثوار فتلك مسخرة ليس بوسع عاقل أن يتقبلها.. 

متابعة قراءة أدوات الانتقام القذرة في اليمن

من يستلم تركة الدولة اليمنية المريضة؟

الرئيس السابق علي صالح يجمع كائنات (الراعي) في مجلس النواب لإستخدامها كآخر مؤسسة شرعية في البلد المنهار، والحوثي جمع مأجوري فئة (ألفين ريال=10 دولار)، وأطلق عليهم (حكماء اليمن)، للقول أن الدولة سقطت وهذا هو الشعب يقرر تشكيل لجان ثورية (حوثية) تدير شؤون البلد! متابعة قراءة من يستلم تركة الدولة اليمنية المريضة؟

منطق الحوثيين في اليمن: أنا أفجّر إذن أنا موجود

 

 

مقالة نشرتها في (رأي اليوم) 

لم يكن يخطر في بال الفيلسوف الفرنسي الشهير “رينيه ديكارت 1596-1650م”، وهو يختط عبارته التي لا تقل عنه شهرة: “أنا أفكر، إذن أنا موجود”، أن جماعة مسلحة ستأتي بعد أربعة قرون لتعيد العبارة ذاتها لكن بشكل يؤكد اعتمادها على “التفجير” بدلا عن التفكير كدلالة على الوجود. لذلك يغدو الحوار القصير التالي أكثر الأحاديث تداولا بين اليمنيين في الوقت الراهن:

متابعة قراءة منطق الحوثيين في اليمن: أنا أفجّر إذن أنا موجود

عن الوباء الذي ينتشر في الجسد اليمني العليل

 

أدت التشوهات العالقة بالنظام السياسي اليمني لخروج اليمنيين في ثورة فبراير الشعبية في العام 2011م، غير أن جملة ظروف وملابسات داخلية وخارجية حالت دون إنجاز الثورة أهم أهدافها، ما أعاق حركة التغيير المأمولة رغم إزاحة صالح وأبرز رموز نظامه عن السلطة، وبدورها دفعت هذه الأوضاع التي كانت نتاجا طبيعيا ومتوقعا لـ”نصف ثورة” لظهور الحوثيين كتنظيم ميليشياوي مسلح يعتمد الحروب والصراعات ومواجهة الخصوم وسيلة وحيدة للسيطرة على الأرض وفرض نفوذه كأمر واقع على الجميع،  فكانت حروب دماج وكتاف وحرف سفيان وحاشد وأرحب وهمدان الجوف وعمران، وأخيرا العاصمة صنعاء وذمار والبيضاء وإب والحديدة، والبقية تأتي..

وبدا واضحا أن الظاهرة الحوثية كعصابة تحمل السلاح لممارسة العنف، أخذت تنتشر على الأرض كما ينتشر الفيروس القاتل في الجسد الهزيل الفاقد المناعة و العاجز عن المقاومة، لذا نرى أن ثمة مقاومة تتصدى للمرض في أجزاء حيوية عديدة لا تزال تمتلك مقومات مقاومة الوباء القادم.

وكان من الطبيعي أيضا أن يؤدي انتشار الحوثيين بهذا الشكل أن تظهر جماعة “أنصار الشريعة” المرتبطة بتنظيم القاعدة، ضمن معادلة تقوم على نشوء ردة فعل لكل فعل، تساويه في المقدار وتناقضه في الاتجاه، وبدت القاعدة هي النقيض للحوثيين من حيث المذهب والأيديولوجيا لكنها تتساوى معهم في استخدام السلام واعتماده وسيلة التفاهم الوحيدة مع الأطراف المحيطة.

لم تستطع مكونات الثورة أن توقف نهم الحوثي وسعيه الدائم للسيطرة، كما لن يستطيع الحوثيون أنفسهم استنهاض أطراف العملية السياسية ومكونات القبيلة لمواجهة القاعدة مهما كان خطرها وخطورتها على المشهد السياسي والأمني، إذ تكشف الأخيرة منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء أنها ستتكفل بتوجيه الرد القاسي والمؤلم لمسلحي الحوثي الذين لم يوقفهم اتفاق أو تردعهم هيبة الدولة، كما ولم تتمكن مخرجات الحوار الوطني -الذي شاركوا فيه- من كبح جماحهم أو تحد من هيجانهم المتصاعد.

قد تتشكل الحكومة وفق ما يتفق عليه المعنيون في الرئاسة والأحزاب والحوثيون، لكن هذا لن يغير في المضمون شيئا، حيث السيطرة لا تزال رهن القوة العسكرية التي باتت حكرا على الجماعات الإرهابية من حوثيين وقاعدة، خاصة وقد ثبت جليا ضعف الدولة والجيش ولم يعد مجديا الرهان على المؤسسات الحكومية.

لا تزال المواجهات على الأرض هي الفاعل الأبرز وصوتها هو الأعلى، وعلى ضوء النتائج التي تتمخض عنها تتكشف حقائق ومعطيات جديدة، وسيكون الساسة – كغيرهم- في انتظار ما يتقرر في جبهات المواجهة المفتوحة في أكثر من موقع وعلى أكثر من طرف.

تراهن بقايا نظام صالح على توسع جماعة الحوثي في مناطق جديدة، لأسباب عديدة أهمها الرغبة في مواصلة الانتقام من خصومها المشاركة في الثورة الشعبية من أحزاب وقبائل ووحدات عسكرية محسوبة على الثورة، كما تسعى للاستفادة من خلال هذه الفوضى في الإبقاء على بعض مكاسبها غير المشروعة، خاصة تلك التي تم الإبقاء عليها بفعل الحصانة والمحاصصة التين كانتا من أهم مضامين المبادرة الخليجية الموقعة بين الأطراف السياسية اليمنية أواخر العام 2011م.

وفيما ينسف الحوثيون بقوة السلاح بكل ركائز العملية السياسية السلمية زاعمين أنهم بذلك يخلصون اليمن من الوصاية الخارجية، لكنهم لم يقتربوا شبرا واحدا من المساس بالحصانة الممنوحة لصالح وأقطاب حكمه، وهم بهذه الانتقائية التي تبعث على الاطمئنان وليس للشك، يثبتون صحة التحالف مع صالح ورجاله، وهو التحالف الذي فرش لهم الأرض ورودا من خارج كهوف مران حتى جبال رداع وسواحل الحديدة.

حاليا ينشب الصراع المسلح بين طرفين نقيضين هما الحوثيون و القاعدة، بالإضافة لما يمكن أن يقوم به مسلحو القبائل و التشكيلات الأهلية من مواجهة المخاطر وفق ما تراه مناسبا.

وإذا كان الحوثيون في مواجهاتهم الأخيرة يتساءلون عن شرعية القاعدة فمن المهم تذكيرهم أن القاعدة لا تبحث عن شرعية شبيهة بالتي يتمنطق بها الحوثيون، ذلك أن القاعدة ترى في انتشار مسلحي الحوثي في مناطق سنية منذ مئات السنين مبررا شرعيا ووجوديا لها في الحرب عليهم، فضلا عن أن الحوثيين أنفسهم منذ قرروا شن الحروب على الدولة و الجيش والقبائل و الأحزاب والصحف و المساجد لم تكن تسندهم أي شرعية- ولا يزالون من مجردين من هذه الشرعية باستثناء ما يمنحون به أنفسهم باعتبارهم وكلاء الله وأنصاره الذين انتدبتهم العناية الإلهية – بموجب الولاية – لمحاربة القاعديين و الدواعش- وكل من يعترض طريق (مسيرتهم القرآنية) هو قاعدي وداعشي.

لا جديد في الأفق القريب ما لم تكن هناك معجزة تنتشل البلد مما وصل إليه بفعل رعونة الحوثيين وسلاحهم الطائش، والمشكلة لدى الحوثيين تتجلى في انفصامهم بين العنف والإرهاب كممارسة و الخطاب التضليلي من حيث الادعاء، إذ لا تزال كلماتهم وبياناتهم وتصريحاتهم تدين العنف بينما سلوك منتسبيها غارق حتى الأذنين في مستنقع العنف.

 

 

اليمن: حروب ما بعد الدولة

 

اليمن بين القاعدة و الحوثي

في الليلة التي سقطت فيها العاصمة صنعاء، ومعها مؤسسات الجيش والأمن والمباني الحكومية والمواقع العسكرية في قبضة ميليشيا طائفية مسلحة، اعتقد كثير من اليمنيين، -ومعهم الحق في ذلك- أن مرحلة بالغة السوء والخطورة وشديدة الانحدار بدأت نذرها الكارثية شاخصة أمام الجميع.

لم تبلغ الدولة اليمنية للضعف الذي بلغته في تلك اللحظة، ولم يصل اليمنيون لليأس والانهيار كما بدوا عليه في تلك الليلة وهم يرون عصابات الحوثي المسلحة يقتحمون المنازل وينهبون الممتلكات ويعتدون على الحرمات بشكل كشف ما حاولوا تغطيته من سقوطهم وانحطاطهم.

اعتقد الرئيس هادي ومعه بعض مساعديه أن ظهوره وهو يوقع مع الحوثيين اتفاق السلم والشراكة بعد ساعات من سقوط العاصمة في أيادي مسلحيهم، سيستر عورته وهو يظهر عاريا من كل ستر، لكن عار السقوط كان هو الملمح الأبرز في وجهه وهيئته، حتى وهو يحاول تسويق نبأ التوقيع على الاتفاق في قاعة منعزلة في مبنى الرئاسة المحاط بميليشيا الحوثي، بشيء من الزهو والانتصار المنقوص، فإن صفرة الهزيمة نالت منه وغلبته.

ما حدث في صنعاء من سقوط مفاجئ لمؤسسات الجيش والأمن بذلك الشكل المثير للتساؤل و المخاوف في آن معا، ليس سوى مقدمة لما سيأتي بعده من مخاطر وانتكاسات لن تقف في مكان دون آخر، ولن تقتصر على مشهد واحد أو جبهة واحدة، فالميليشيا التي احتفلت بانتصار (ثورتها) ظلت أطماع سيدها تكبر وتكبر، وجموحه الهائج بدا في أشد حالات جنونه المرضي، ومن يومها وهو يتحدث بصفته حاكما مالكا، والبقية مجرد بيادق ودمى تتحرك حسب رغبة محركيها لا أكثر. وهو الوصف الذي أطلقه زعيم الحوثيين على الرئيس هادي في خطاب تحريضي مطول.

إن كان للحوثيين مشكلة مع قبائل حاشد، فما علاقة أبناء الحديدة في هذه المشكلة حتى يسارع الحوثيون لاحتلالها والسيطرة عليها؟

لو كانت مطالب الحوثيين تتمثل في محاربة الفساد كما يزعمون، فلماذا تركوا رمز الفساد الحاكم ثلاثين عاما، بل سارعوا لحراسته وتأمين حمايته؟

السؤال الأكثر أهمية هنا وفي هذه اللحظة بالذات: ما الذي يريده الحوثيون من محافظات الوسط (إب وتعز والبيضاء)؟ ودعكم من مبرراته السخيفة حين يزعم أنه يحارب القاعدة والدواعش، لسبب بسيط أنه ليس من مهامه أن يتصدى لمثل هذه الجماعات في الوقت الذي يشكل الحوثيون عصابات تحمل من نوازع الإجرام و القتل والنهب والتفجير أضعاف ما تفعله القاعدة، وفي ما قاموا خلال أقل من عام منذ خروجهم من صعدة وحتى وصولهم صنعاء وعمران يؤكد ذلك.

كلما في الأمر أن الحوثي لديه مجموعة مسلحة قادرة على التسلل من الثغرات والفجوات التي خلفها ضعف الدولة وهشاشة بنائها العسكري و الأمني، وبالتالي سعت هذه المجموعة لمهاجمة المواقع ونهب الممتلكات والاعتداء على كل من يخالفها باعتباره “قاعدة”، حتى لو كان هذا الخصم هو القاعدة نفسها، كما يحصل في المناوشات الأخيرة التي شهدتها مناطق في البيضاء، فإن الحوثيين لم ولن يكونوا على حق، لأن الجهة المخولة بمواجهة القاعدة هي الدولة مهما بلغ ضعفها والجيش مهما كان وضعه، بالإضافة لأحقية أبناء المناطق المتضررة من تواجد القاعدة في مواجهتها حيث أثبت وجود لجان شعبية من أبناء المناطق نفسها نجاحا في الحرب على القاعدة، أما أن يتقاطر مسلحو الحوثي من شمال الشمال إلى مناطق أخرى بدعوى مواجهة القاعدة فهذا دليل على أن الجماعة تنظر لنفسها باعتبارها دولة وجيش وقضاء وأمن وكل شيء، وعلى الآخرين القبول بالوضع الذي تفرضه عليهم باعتباره أمرا واقعا، وإلا فإنهم إرهابيون وداعشيون!

مواجهة الحوثيين مع القاعدة مهما كانت جرائم الأخيرة هي تعبير آخر عن انهيار كامل للدولة بمعناها الوجودي، ولا يحدث مثل هذا الصدام إلا في بلدان أصبح وجود الدولة فيها في حكم المنعدم، كما هو حال الصومال والعراق وسوريا، مع قناعتنا أن الحرب بين الطرفين إذا لم تهدد حياة الأبرياء فهي نتاج طبيعي لأمراء حرب يختلفون في المذهب ويتفقون في القتل والاعتداء، وفي خلاص اليمنيين من كليهما فرصة لا تقدر بثمن في إرساء دولة جديدة لا مكان فيها للعصابات التي ترتكب الجريمة باسم الدين والدين بريء منها.

قد يستغل الحوثيون اسم القاعدة كمبرر لتوسعهم في مناطق لا يربطهم بها أي رابط، وفي المقابل تستغل القاعدة كونها تواجه (الروافض) في استمالة قبائل ومناطق سنية شافعية لن ترحب بأي تواجد حوثي مسلح على أراضيها مهما كانت مبرراته، ومن كلا الخطابين التحريضيين ستتوقد نار الحرب وتزداد اشتعالا، كما أن هذه الحرب إن لم تتوافر الظروف لوقفها فلن تعدم مبررات ودوافع أخرى.

وعودا على بدء: إن سقوط الدولة وانهيار جيشها وفر ظروفا ملائمة لصراعات قادمة لا تعني اليمنيين في شيء، حتى وإن شارك فيها يمنيون، كما هو الحال في الحرب التي يكون طرفاها القاعدة والحوثيون، وفي المقابل فإن السقوط ذاته يحتم على اليمنيين الدفاع عن أنفسهم كل بطريقته وحسب ظروفه وإمكاناته، وإن مهاجمة الحوثيين لبعض المناطق بمبرراتها الواهية لا تمنحهم حق التواجد في أي منطقة يمنية غير مناطقهم التي قدموا منها، وبالتالي فمن الحق الطبيعي لأبناء هذه المناطق أن يواجهوا عنف الحوثيين وهمجيتهم بما يتناسب معها، وكذلك الحال بالنسبة للقاعدة.

انفصال جنوب اليمن.. هل يصبح حقيقة؟

 

 

نشر في موقع رأي اليوم

لم يحصل رئيس يمني على دعم إقليمي ودولي، وتأييد محلي كما حصل عليه الرئيس الحالي/عبدربه منصور هادي، وربما لن يحصل عليه أي رئيس قادم. ومع ذلك فلم تسقط هيبة الدولة وترتخي قبضتها وتتساقط محافظات بالكامل- والعاصمة في مقدمتها- في أيادي جماعات مسلحة كما حدث إبان حكم الرئيس هادي ولا يزال يحدث حتى الساعة.

عندما تسلّم هادي مقاليد السلطة أواخر العام 2011م وفقا للمبادرة الخليجية التي وقعتها الأطراف السياسية اليمنية في نوفمبر/تشرين من العام نفسه، كانت القضية الجنوبية هي أكثر قضايا اليمن تعقيدا بفعل المطالبات المستمرة من قوى الحراك الجنوبي الانفصال بفصل جنوب اليمن عن شماله، وإنهاء الوحدة التي أعلنت في مايو/أيار 1990م، وكان الحراك الجنوبي أقوى فصيل سياسي يحظى بوجود وتأييد شعبي وقاعدة جماهيرية متماسكة، إلا أن الرئيس الجنوبي هادي استطاع أن يفكك بعض قوى الحراك، وتمكن من اختراق صفوفه، ودفع بعدد من فصائل الحراك ورموزه القيادية للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد خلال الفترة (مارس/آذار 2013م- يناير/كانون ثاني 2014م)، وهو ما أضعف موقف الحراك داخليا وخارجيا، وظهر منقسما على نفسه بفعل مشاركة بعض المحسوبين عليه في وقت ظل يعلن رفضه المشاركة في الحوار الوطني.

بالنسبة لجماعة الحوثي (الشيعية المسلحة المتمردة شمال اليمن)، فقد كان تواجدها قبل تسلم هادي الرئاسة مقتصرا على بعض مديريات محافظة صعدة شمالا، لكن توسعهم ظل يتزايد يوما بعد آخر حتى استطاعوا الشهر الماضي السيطرة على العاصمة صنعاء واقتحام مقرات الحكومة وقيادة الجيش ومرافق أمنية وخدمية ومؤسسات عامة وخاصة، واستحدثوا نقاط تفتيش تجاوز عددها في العاصمة وحدها مائتين نقطة. وفي اليومين الماضيين تمكنوا من السيطرة على أهم محافظة في غرب البلاد، وهي محافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر، و القريبة من ممر باب المندب ذي الموقع الاستراتيجي المهم إقليميا ودوليا.

وبالإضافة لإخفاق سلطة هادي في إحداث تغيير ملموس في الجوانب الاقتصادية و المعيشية فإن الخدمات ظلت تتراجع بشكل مخيف، وتدهورت الأوضاع الأمنية في مختلف أرجاء البلاد، واستفاد تنظيم القاعدة من هذه الأوضاع وتمكن من توجيه ضربات عديدة قاصمة للجيش والأمن و الاقتصاد بعمليات مباغتة طالت وزارة الدفاع بالعاصمة ومقرات قيادة الجيش والأمن والمناطق العسكرية في أكثر من جهة، وعلى وجه الخصوص في عدن وحضرموت .

وفيما كان مسلحو الشيعة الحوثيين يواصلون السيطرة على المواقع العسكرية والأمنية في شمال اليمن فإن القاعدة لم تتوان عن مواصلة القتال في عدد من محافظات الجنوب والوسط و السعي المستمر للسيطرة على عدد منها، كما هو الحال في بعض مناطق محافظة شبوة وحضرموت (جنوب) والبيضاء (وسط).

وإزاء هذه التداعيات وجد  الحراك الجنوبي نفسه أمام واقع يدعمه بكل قوة لاستئناف نشاطه في المطالبة بالانفصال، خاصة بعد سقوط محافظات بأكملها في قبضة الميليشيا الطائفية التي تعد نقيضا مذهبيا وطائفيا للجنوبيين الذي يتبعون المذهب السني (الشافعي)، ناهيك عن كون هذا التطور الأخير قد دفع بالمئات من الجنوبيين الذين كانوا يرفضون الانفصال لتغيير موقفهم انطلاقا من أهمية المحافظة على الجنوب بعيدا عن الصراع الطائفي والحرب الأهلية التي باتت خيارا مطروحا في ظل سيطرة الحوثيين على الشمال وتواجد تنظيم القاعدة في مناطق عديدة،  فضلا عن قدرة هذا الأخير على اختراق السياجات الأمنية لخصومه سواء في الحكومة أو ميليشيا الحوثيين كما حدث في الأيام القليلة الماضية حين أوقع عشرات القتلى و الجرحى في صفوف الحوثيين جراء عمليات انتحارية بعضها في العاصمة وأخرى خارجها.

وفي الاحتفال الذي أقيم الثلاثاء بعدن بمناسبة الذكرى ال51 لثورة 14 أكتوبر/ ضد الاستعمار  البريطاني لجنوب اليمن، صعد الانفصاليون احتجاجاتهم استنادا للوقائع والتطورات الجديدة، ولأول مرة يقوم الحراك بتوجيه إنذار للشركات العاملة في جنوب اليمن، يطالبها بإيقاف عملها وتعاقداتها مع الحكومة القائمة التي يصفها بحكومة الاحتلال، كما يدعو في بيانه الصادر عن الفعالية المشار إليها طالب الحراك الجنوبي أجهزة الدولة بالاستسلام، كما طالب الموظفين المنتمين للمحافظات الشمالية بتسليم مواقعهم ومراكزهم الحكومية للجنوبيين، وحدد لذلك نهاية الشهر المقبل موعدا نهائيا للتسليم.

وكان حزب الإصلاح بعدن (الإخوان المسلمين) أعلن صراحة وقوفه مع الجنوبيين المطالبين بتقرير المصير، وهو أول موقف يصدر عن الحزب في هذا الاتجاه، وهو الذي كان أكثر الأحزاب دفاعا عن الوحدة اليمنية ومهاجمة للمطالبين بالانفصال، بيد أن التغير لم يقف عنده لكنه طال قوى وتيارات سلفية (سنية) ومكونات شبابية ثورية ظلت تتبنى الدعوة لبناء يمن جديد موحد، ولعل آمال بقاء اليمن موحدا تبخرت على وقع السقوط الدراماتيكي للمحافظات اليمنية خاصة تلك المحافظات السنية وسط البلاد.

مما سبق يتجلى أن أبرز التغيرات التي شهدتها اليمن مؤخرا أفضت إلى انهيار شبه كلي للدولة – معنى ومبنى- في وجدان اليمنيين وذاكرتهم الجمعية، وبات المستفيدون من ذلك موزعين بين الميليشيا المسلحة (الشيعية) والعناصر الجهادية (السنية)، والقوى الانفصالية، ومعها تجار الحروب وأمراء الصراعات في الداخل و الخارج.