كل المقالات بواسطة Foad Mosed

كاتب صحفي، وباحث ومدون، مهتم بالشؤون السياسية وقضايا الصراع وحل النزاعات. يكتب في عدد من الصحف والمواقع الإخبارية اليمنية والعربية. محلل سياسي في عدد من القنوات الفضائية ووكالات الأنباء العربية والعالمية. صدر له كتاب (الثورة اليمنية والانقلاب والحرب)، أبريل 2020. ودراسة بحثية عن الصراعات السياسية في اليمن، مايو 2020. كما صدر له دراستان في الفلسفة: الأولى (منظور بيجوفيتش بين الدين والفلسفة) أكتوبر 2015. والثانية (الإسلام في المنظور الفلسفي لهيجل). سبتمبر 2015. وصدر له ديوان شعر بعنوان (مواعيد الغروب) أبريل 2020.

الصراع السياسي يؤخر بناء الدولة في اليمن

 

الصراع

يدرك المتابع للأحداث في اليمن أن الصراع السياسي وقف حائلا بين اليمنيين وبناء دولتهم الوطنية رغم مرور أكثر من خمسين عاما على إنجازهم ثورتين إحداهما في شمال البلاد أسقطت حكم الإمامة في سبتمبر/أيلول 1962، وأخرى في جنوبها أفضت إلى الاستقلال الوطني (أكتوبر/تشرين أول 1963- نوفمبر/تشرين ثاني 1967).

وشهد شطرا اليمن الشمالي والجنوبي جولات من الصراع السياسي خلفت آلاف القتلى والجرحى والمشردين والمفقودين، وتركت آثارها المأساوية ظاهرة على مستوى الحكم والسياسية كما هي على مستوى الحياة المعيشية، فضلا عن تردي الخدمات الأساسية وضعف الأمن وتدني مستويات الوعي والثقافة والتربية والتعليم وغيرها.

بالنسبة لشمال اليمن فإن الفترة الزمنية التي أعقبت قيام الثورة شهدت أكثر الحروب عنفا ودموية ودمارا، ابتداء بحرب ضروس بين النظام الجمهوري الذي كان في طور التشكل من جهة،  والقوى التابعة للنظام الملكي المدعومة من السعودية من جهة ثانية، واستمرت الحرب زهاء ثمان سنين ولم تتوقف إلا بعد توقيع اتفاق بين الطرفين، رأت فيه بعض قوى الثورة انقلابا على النظام الجمهوري ومؤامرة عليه، ما أسفر عن انقسام القوى المحسوبة على الثورة، لتبدأ جولة أخرى من الصراع السياسي، لكنها هذه المرة داخل الصف الجمهوري الذي وجد نفسه مقسوما بين قوى “محافظة” وأخرى “يسارية وقومية تقدمية”، وكل طرف يحمل الثاني تبعات الإخفاق الذي ظل يلازم أداء حكومات الثورة في الاقتصاد والمعيشة كما في الأمن والسياسة.

وإلى جانب عوامل الفكر والإيديولوجيا التي أججت الصراع بين قطبي الجمهورية في شمال اليمن، حضرت عوامل وأسباب لها صلة بالجغرافيا والمذهبية والتبعية للقوى الخارجية عربية كانت أوأجنبية،

وتناسلت صراعات عديدة من أتون الصراع الواحد، كما توالد من رحم الحرب أكثر من حرب، وجاءت الانقلابات العسكرية باعتبارها وصفة العصر السحرية لتخليص البلاد من مشاكلها، لتشهد اليمن في شطريها ثمانية انقلابات كانت تطيح برئيس وتأتي بآخر لا يلبث إلا أن يجد نفسه يغادر السلطة – والحياة أحيانا- بالطريقة التي جاء بها.

وباستثناء الإطاحة برئيسين في الشمال (السلال 1967 والإرياني 1974 وثالث في الجنوب (عبدالفتاح إسماعيل 1980) فإن بقية الانقلابات اتسمت بالعنف والدموية ورافقتها أعمال قتل وتصفيات ألحقت أضرارا بشرية ومادية هائلة.

وفيما كان حكام اليمن الشمالي يشعرون بالغبطة لأنهم كسبوا المعركة على حساب خصومهم من اليساريين والماركسيين كان نظراؤهم في الشطر الآخر من الوطن، يتباهون بانتصارهم على قوى “اليمين الرجعي”، في أكثر من خمس دورات دامية جعلت الطبقة الحاكمة مطمئنة لاستفرادها بالسلطة بدون خصوم، ومع أن الفترة الزمنية الممتدة بين الثورة والوحدة (1962-1990)، لم يشهد فيها شطرا اليمن استقرارا مرجوا إلا أنها لم تسلم من الحروب الشطرية أيضا، إذ اشتعلت حرب الحدود بين الطرفين قبل أن توقفها جهود عربية أسفر عنها توقيع الطرفين على “اتفاق القاهرة” في أكتوبر/ تشرين 1972 ثم “بيان طرابلس″ في نوفمبر/ تشرين ثاني 1972، لكنها اشتعلت مرة أخرى في العام 1979 التي أوقفت هي الأخرى برعاية عربية أفضت إلى التوقيع على “اتفاقية الكويت” في مارس/آذار 1979 بين رئيسي الشطرين.

وحين طوى اليمنيون صفحة التشطير والتجزئة مع إعلان الوحدة بين شطري الوطن في مايو/أيار 1990، عدّوا ذلك إيذانا بالخلاص من ويلات الحروب والصراعات، بيد أنه لم يكد يمر عليهم سوى بضعة أشهر حتى عاود شبح الصراع ظهوره من جديد، ووجدوا أنفسهم في أتون دورة أخرى من المواجهات وجولة أخرى من الحروب أرهقت كاهل البلد المثقل بالمواجع وأضافت حلقة أخرى لسلسلة فجائعه، وصفحة جديدة في سجل مآسيه وانتكاساته، وعلى هامش الصراعات الكبرى التي أنشبت أظافرها في الجسد اليمني حتى أثخنته، كانت تنشب بين الحين والآخر معركة هنا أوهناك، تارة تحت لافتة الولاء السياسي وتارة أخرى بدافع  الانتماء القبلي والعشائري،  وظل الصراع يأخذ أشكالا عديدة لكن النتيجة كانت واحدة: مزيد من الضحايا والخسائر البشرية والمادية، وضياع الموارد وإهدار الطاقات وتبديد الثروات، مع تخلف في الإدارة واستلاب للإرادة أضاعا  فرصة بناء “الدولة الوطنية”، لينتج عن ذلك  تدهور في الاقتصاد والمعيشة رفع نسبة الفقراء ووسع دائرة البطالة، وصاحب ذلك كله تراجع في ممارسة الديمقراطية، ومصادرة للحقوق، وتضييق على الحريات، ناهيك عن وصول القوى السياسية في الحكم والمعارضة لطريق مسدود أصبح معه الاتفاق غير ممكن والحوار شبه مستحيل، الأمر الذي جعل غالبية الشعب والشباب في المقدمة يخرجون إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط النظام، مستلهمين من ثورتي تونس ومصر دروسا عملية لا تقبل التأجيل أوالتسويف، فكانت ثورة فبراير 2011.

وبدورها أفضت الثورة اليمنية إلى تغيير جزئي في نظام الحكم، وفقا لاتفاقية “نقل السلطة” التي وقعتها الأطراف السياسية في نوفمبر/ تشرين ثاني 2011 وقضت بتنحي الرئيس وتنصيب نائبه وتشكيل حكومة مناصفة بين السلطة والمعارضة، ودخلت البلاد في مرحلة انتقالية كشفت عن التناقض بين قوى الثورة التي وجدت نفسها متفقة على “إسقاط النظام” ومختلفة على ما عداه من المطالب،

ومع أن قوى الثورة اليمنية ومكوناتها السياسية وروافدها الشعبية آثرت العمل مجتمعة على تحقيق أهداف الثورة وفي مقدمتها إسقاط النظام وبناء الدولة الحديثة، وتأجيل الخوض في تناقضاتها الفكرية والسياسية والمذهبية والجهوية، غير أن الظروف والملابسات الداخلية والخارجية قادت اليمنيين جميعا -بعد عشرة أشهر من انطلاق ثورتهم- إلى القبول بتلك الاتفاقية التي جاءت كتسوية سياسية أبقت على نصف النظام الذي ثاروا عليه شريكا رئيسا في الحكم، فضلا عن منح رئيسه وكبار مساعديه حصانة من المساءلة القانونية عن ممارساتهم خلال ثلث قرن من الزمن، هي فترة حكم الرئيس/ علي صالح المشمولة بالحصانة حسب اتفاقية نقل السلطة المعروفة بـ”المبادرة الخليجية”، نسبة لرعاة الاتفاقية في مجلس تعاون دول الخليج العربي.

وكان التوقيع على المبادرة أول منعطف أسفر عنه انقسام قوى الثورة بين مؤيد للاتفاقية ومعارض لها بسبب ما تضمنته من بنود رأى المعارضون أنها تنتقص من الثورة، بيد أنه لم يكن انقساما حادا بفعل انحياز الغالبية العظمى نحوالخيار الأول  والقبول به كأمر واقع، وخيار يجنب البلاد مخاطر الحروب والصراعات، خاصة وأنه تزامن مع توسع المواجهات المسلحة في ليبيا وارتفاع أعداد ضحايا الصدامات المماثلة في سوريا.

وما إن بدأ شركاء الحياة السياسية تنفيذ اتفاقية نقل السلطة حتى بدأ الفرز في صفوف الثورة يأخذ أبعادا هي للمنطلقات الفكرية والاعتبارات الجهوية أقرب منها للمواقف السياسية وتحالفات الثورة، وظل هذا الفرز يتنامى ويتخذ أشكالا عديدة مع ما بات يرافقه من استقطاب يهدد أمن البلد واستقراره.

ولم يعد موضوع الصراع بين القوى والتيارات اليمنية الفكرية والسياسية مجرد مؤشرات يمكن ملاحظتها والوقوف عليها في إشارات عابرة أوتلميحات غير ظاهرة، لكنه غدا حقيقة يعيشها اليمنيون في أكثر من منطقة، من خلال صراعات ومواجهات مسلحة ترتدي عباءة الصراع المذهبي في شمال البلاد، وتتخذ من التمايزات الجهوية والمناطقية مبررا في جنوبها، لكنها في كلا المشهدين لا تخفي العامل السياسي مهما أمعن في التخفي.

والأنكى أن هذا الصراع -لدى بعض أطرافه- يتغيا العودة إلى الماضي بصور متفاوتة وأشكال مختلفة، إما بالعودة لما قبل الثورة الأولى ضد الحكم الملكي الإمامي مطلع ستينيات القرن الماضي، كما هوالحال لدى الجماعات المسلحة شمال البلاد، أوبالعودة إلى ما قبل الوحدة اليمنية التي جمعت شطري الوطن عام 1990، كما تطالب جماعات انفصالية في الجنوب، ناهيك عن ما تسعى إليه قوى ومكونات أخرى من إعاقة التغيير وعرقلة الانتقال السلمي للسلطة بشكل كامل، والمحصلة في كل ذلك الإبقاء على الدولة ضعيفة وعاجزة وفاشلة، وتلك معضلة اليمنيين الكبرى، التي تسعى للحؤول دون صناعة المستقبل المنشود الذي كان – ولا يزال حلما مؤجلا منذ ما يزيد عن نصف قرن، والمؤكد اليوم أن التحديات التي تواجه التحول الديمقراطي في اليمن لم تعد هما يمنيا خالصا، سيما بعد ما أصدر مجلس الأمن الدولي أواخر فبراير/ شباط الماضي قراره رقم (2140) الذي أفرد فيه بنودا عدة تلوح بالقيام بإجراءات عقابية تطال معرقلي العملية السياسية وتندرج تحت الفصل السابع، الأمر الذي سيجعل المعرقلين- أشخاصا أوهيئات- في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي، بعد ما بدا واضحا أن قدرة اليمنيين على تحمل تلك التحديات، فضلا عن مواجهتها والتغلب عليها لم تعد موضع ثقة، ويكشف ارتياح أغلب اليمنيين للتلويح الأممي بمعاقبة المعرقلين أنهم يشاطرون صناع القرار الدولي الاستنتاج نفسه إن لم يكونوا سبقوهم إليه بسنوات.

 

 

صنعاء المسكونة بالخوف.. تحاصرها الفجيعة

 

 

منظر-للعاصمة-صنعاء

في ستينيات القرن الماضي كتب الروائي اليمني محمد عبدالولي روايته “صنعاء مدينة مفتوحة”، و كانت المدينة يومها مفتوحة لصراعات لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، و كان قد مر على فتحها المأساوي عشرون عاما، حين أباح الإمام/ أحمد حميد الدين صنعاء لقبائله التي ناصرته في إسقاط الثورة الدستورية عام 1948م، و لم يجد مكافأة لهم أفضل من إصدار أمر ملكي باستباحة صنعاء بما و من فيها.

قتلوا قرابة خمسة آلاف شخص، كما و نهبوا كل شيء في صنعاء معززين بأمر “أمير المؤمنين”، و كانوا بذلك يعاقبون المدينة و أهلها على إعلان الأحرار القيام بثورة ضد الحكم الإمامي السلالي.

ظلت صنعاء مدينة مفتوحة على عوامل خراب باتت كامنة فيها، و أخرى مرابطة حولها، تحت لافتة البحث عن سلطة أو العمل على استعادتها، و تحت هذه الراية شهدت صنعاء ملاحم دامية، و لاتزال المخاوف باقية من تكرارها كلما لاح مؤشر جديد للصراع القديم المتجدد.

اليوم صنعاء محاصرة من جديد، بأبناء القبائل الذين اقتحموها ذات مساء منتصف القرن الماضي، لأن أمرا مشابه صدر لهم من زعيم جماعة “الحوثيين” سليل الأسرة التي أعلنت استباحة صنعاء في المرة الأولى، و بعد قرابة ثلاثة أعوام من اندلاع ثورة شعبية عارمة أسقطت الرئيس صالح و معظم أركان حكمه سيئة الصيت و السمعة.

تحاصر اليوم صنعاء و تبدأ الميليشيات المسلحة تحرشها بأطراف المدينة الخائفة المحاطة بكل صور الفجيعة و أشباح الخراب.

مع تشديد المسلحين حصارهم على صنعاء يتجدد الخوف من تكرار حصار قديم وقع قرابة شهرين في العام 1968م، كما و يخشى أبناء صنعاء من تكرار جريمة اقتحام و استباحة صنعاء كما فعل آباؤهم من قبل في 1948م.

 

 

في ظلال صنعاء:

صنعاء سيدتي

وملاكي الطهور

وحارستي؛

سامحيني

إذا كان قلبي

أشرك غيرك في حبه

وتواطأ في لحظات من العمر

مع فاتنات

من الشرق والغرب

مع سيدات

من الوطن العربي

فقد كنتِ أول حبٍ له

فهو مجنونُ صنعاء

وعاشقها في زمان الجفاف

وعاشقها في زمان المطر

حين كنت بعيدا يطاردني الشوق

ينقر قلبي غرابُ الحنين

تمنيت لو أنني

كنت آجرةً

تبتل في شرفة من بيوتك

أو أنني كنت نافذة

يتشوق

من خلفها العاشقون..

الشاعر: عبدالعزيز المقالح

سميح القاسم يرحل منتصب القامة

 

غادر الحياة ملتحقا برفيق دربه درويش..

سميح القاسم يرحل منتصب القامة

s22

غادر الدنيا شاعر فلسطين و الانتفاضة سميح القاسم، ملتحقا برفيق دربه الشاعر محمود درويش، و برحيله فقدت الأمة صوتا استثنائيا و مبدعا مقاوما، أفنى سني حياته و هو منتصب القامة، لم يتعب و لم ينكسر، و لكنه قاوم و قاوم ثم قاوم ثم قاوم..

و كما غادر رفيقه درويش الدنيا في شهر أغسطس هاهو يودع الحياة في الشهر ذاته بعد ست سنوات.

إنهم أعمدة المقاومة المناضلين منذ نصف قرن، يترجلون تاركين الحصان وحيدا، يتركون الحياة

و قد غدا فيها

“..من عاش يخسر سر الحياة

ومن مات بات على الموت حرا وحيا

وما كان بالأمس عارا محالا

هو اليوم شأن صغير وجائز..”،

 

أما الفلسطينيون فقد صاروا

“حطام شعب لاجئ شريد”

كما قال سميح القاسم، و تساءل:

هل نعود.. هل نعود؟

 

ظلال:

أشدُّ من الماء حزناً

تغربت في دهشة الموت عن هذه اليابسه

أشدُّ من الماء حزناً

وأعتى من الريح توقاً إلى لحظة ناعسه

وحيداً. ومزدحما بالملايين،

خلف شبابيكها الدامسه..

*

تغرٌبت منك. لتمكث في الأرض.

أنت ستمكث

(لم ينفع الناس.. لم تنفع الأرض)

لكن ستمكث أنت،

ولا شيء في الأرض، لا شيء فيها سواك،

وما ظل من شظف الوقت،

بعد انحسار مواسمها البائسه..

*

ولدت ومهدك أرض الديانات،

مهد الديانات أرضك،

مهدك. لحدك.

لكن ستمكث في الأرض. تلفحك الريح طلعا

على شجر الله. روحك يسكن طيرا

يهاجر صيفا ليرجع قبل الشتاء بموتي جديدي..

 

وتعطيك قنبلة الغاز إيقاع رقصتك القادمه

لتنهض في اللحظة الحاسمه

أشد من الماء حزنا

وأقوى من الخاتمه..

الخل العدني.. نضارة ودواء و فوائد أخرى

  

 

 

اليمن/عدن / فؤاد مسعد / الأناضول

في منطقة زراعية خصبة غربي مدينة عدن، جنوبي اليمن، يوجد نوع من أشجار النخيل يسمى محليا بـ”الطاري”، يستخرج منه الخل البلدي العدني الشهير في اليمن، الذي تتنوع فوائده وأغراضه بين التجميل والعلاج والغذاء.

علي أحمد البند “35 عاما”، تحدث عن استخراج تلك المادة لوكالة الأناضول، قائلا إنهم يقومون بتقشير الشجرة من جميع الأوراق المحيطة بها ليبقوا الجذع في مواجهة الشمس لفترة أسبوع ثم يقومون بعده بقطع الجذع لتبدأ عملية تقطير المادة السائلة إلى إناء مربوط في الجذع. وبعد ذلك يقومون بتجميع هذا السائل في عدد من الأواني الممتلئة ووضعها في خزان كبير الحجم، و بعد ملئه يحكم إغلاقه مدة 40 يوما، يصبح بعدها جاهزا للتسويق.

“البند” أضاف أنه وإخوانه توارثوا هذه المهنة التي تقتصر على أسرته، من والده المتوفي عام 1989، وكان الأخير ورثها عن والده، مشيرا إلى أنهم يتوارثونها ويورثونها لأبنائهم الذين بدأوا المشاركة في هذا العمل.

ومنذ نحو 90 عاما، تقوم أسرة “البند” باستزراع واستصلاح هذه الأشجار والاستفادة منها في استخراج مادة الخل الطبيعي الذي يحظى بطلب مستمر في الأسواق اليمنية في محافظتي عدن ولحج (جنوب) كما تطلبه بعض الأسر الخليجية عن طريق المسافرين لجودته، حسب “البند”.

وأضاف قائلا لـ”الأناضول”: “نجد المتعة وسط أشجار الخل عندما نعد الطعام بالطريقة الريفية ونرعى الأغنام وسطها، ونتناوب نحن وإخواني في العمل (كخلية النحل) ونقوم بتجهيز المادة، ورغم أننا نلاحظ أن الاستثمار التجاري المتمثل في بناء المدن السكنية والتجارية يقترب من أرضينا الزراعية، إلا أننا مستمرون في هذه المهنة التي نفتخر بها، ومن خلالها نقوم بتصدير مادة الخل الطبيعي، ونخدم بها المجتمع اليمني والخليجي”.

ويستخدم الخل الطبيعي العدني في تحضير العشار، وهو من أهم المقبلات التي تحرص الأسرة في عدن والمناطق المجاورة على اقتنائها، وتتكون من: خل وملح والبسباس (الشمر) والحبة السوداء وليمون حامض تعرض للشمس عشرة أيام في إناء زجاجي.

كما يستخدم هذا الخل في إعداد بعض أنواع الحساء والأطعمة في اليمن.

وعن أهمية الخل في الناحية العلاجية والتجميلية، قال “البند” إنه مهم قتل أنواع من البكتيريا والديدان، فضلا عن فائدته في تجميل الوجه والبشرة.

واتفق معه الطبيب هشام التوم، الذي يعمل في مركز طبي بعدن، حول فوائد الخل العدني الصحية، لكنه اشترط الاحتفاظ به في ظروف صحية مناسبة، ورأى في حديثه لمراسل الأناضول أن الخل مهم كعنصر مصاحب للغذاء وخصوصا في الوقاية من بعض الأمراض الناجمة عن التغذية غير الصحية، ومنها أمراض المعدة من خلال القضاء على البكتيريا المسببة لها.

من جهته، قال بشير حسان (تاجر) إن “الخل الطبيعي العدني لا يزال يحتفظ بشهرته والطلب عليه رغم وجود مواد مماثلة مستوردة، وذلك بسبب جودته و نكهته المميزة”.

وأضاف لـ”الأناضول” أن الطلب يتزايد من بعض المستهلكين في مواسم العيد ورمضان، وفي بعض المناسبات الاجتماعية كالزواج حيث يتم استهلاك كمية كبيرة منه.

أما حليمة حامد (ربة منزل) فقالت إن “الخل الطبيعي مجرب لديهم وهم مداومون على استخدامه لجودته ودخوله في كثير من التحضيرات وفي أحيان أخرى كعلاج لعدد من الأمراض، كما يستخدم للتجميل.

الشاعرة اليمنية ليلى إلهان: الشاعر خلق للتعبير عن قضايا أمته و أنا أكتب ما يراودني و يخدم المجتمع

 

ll

lll

حصلت الشاعرة  والقاصة اليمنية  “ليلى إلهان مؤخرا على جائزة الدكتور المقالح في الشعر، مناصفة مع الشاعر جلال الأحمدي، وقد صدر لها مجموعة من الأعمال الشعرية والقصصية، وتعد من مبدعي جيل الشباب. وفي هذا الحوار تتحدث ليلى عن تجربتها الإبداعية شعرا و نثرا، وحركة النقد والمشهد الثقافي والإبداعي في اليمن وغيرها من القضايا، وإلى التفاصيل:

 حوار: فؤاد مسعد

– مؤخرا حصدت جائزة المقالح في الإبداع الشعري، ماذا يعني لك هذا الفوز؟

جائزة كبيرة بحجم شاعر اليمن الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح. هي بمثابة عين تنير دربي للمزيد من الإبداع، وهذا الحظ دائما يخلق مع القصيدة نفسها لأنها تبشر بكثرة الحظوظ الجميلة على المستوى العام والشخصي. واكتشاف قدرتنا على تغيير ما حولنا وما نعيشه بداخل المجتمعات العربية وفي صميم الثقافة اليوم. وأنا سعيدة كثيرا لوجود الشعر باختلافه من تجربة لأخرى على الساحة الثقافية ومنافسته للرواية التي نسمع عن تواجدها القوي والمؤثر في مناقشة القضايا المختلفة، وما تمر به ثورات الربيع العربي وما تمر به المنطقة عامةأتمنى ظهور المزيد من الاصوات الشعرية المتميزة واكتشاف القصيدة الجديدة التي لا تنتهي قصتها معنا ابدا.

– عرف القراء الشاعرة ليلى إلهان بعد صدور ديوانها الأول “فاتحة القصيدة”، ماذا عن ليلى قبل فاتحة القصيدة؟

دائما أتكلم عن بداياتي الشعرية، وهذا ما يجعلني أطبع المجموعة الأولى “فاتحة القصيدة”، لأنها فعلا البداية الحقيقية وأنا في مرحلة الدراسة الإعدادية، وبعدها قررت أن تطبع وتوزع للقارئ، كي تكون لي بصمة خاصة في بداية المشوار وهذا ما حصل بالضبط، فالقارئ يقرأ لي أعمالي الجديدة ومن ثم يبحث عما كتبت سابقا كي يكتشف الاختلاف والتمييز، ويدرك ما هو الفرق والقفزات التي حققتها خلال هذه الفترة القليلة الماضية من تطوير لتجربتي، والدكتور المقالح هو من عرف البداية معي واكتشف تلميذة صغيرة أتت إليه، وهو بدوره أحب معرفة ما سوف أقدم له خلال وجودي بمركز الدراسات والبحوث اليمني وزياراتي المستمرة لمكتبته للقراءة، لقد كان يطلع على الجديد لدي من حين لآخر ويطلعني على أساسيات الكتابة الصحيحة، وبعد مرور فترة بدأ الدكتور المقالح بنشر بعض من نصوصي الشعرية في بعض الصحف، ومن هنا كانت الانطلاقة لليلى إلهان والخروج إلى الساحة الثقافية. 

 قلت في حوار صحفي سابق انك (تحسُّي انك مدرسة بحد ذاتها)، هل ما زال يراودك هذا الإحساس؟ 

يحق للكاتب أن يخلق له مدرسة خاصة به إذا استطاع ذلك، وليست هناك مشاكل، إنما تكون هناك مدارس للأجيال القادمة ومنهج محدد وصور توضيحية لكل كاتب كي يعرف الآخرون تجربته وانتماءه الأدبي، وكيف كانت ملامح مرحلته باختلافها وائتلافها، ومن هذا المنطق تأتي المدارس الخاصة، وهو الشيء المتميز بالنسبة لنا ككتاب نحمل فكرة معينة ونريد ايصالها للناس، و أنا أكتب ما يراودني وما يخدم النص العربي أولا والمجتمع ثانيا وأن أكون مختلفة بما أقدم للقارئ، وبهذا أكون مدرسة جديدة تحملها قصيدة النثر الحديثة  للقارئ.

– ما تقييمك لوجود المبدعات ضمن المشهد الإبداعي اليمني؟ 

المبدعات قليلات جدا وأنا أقصد المعروفات على الساحة، وأما الشاعرات الأخريات لا أدري يظهرن بسرعة ويختفين أسرع وهذا السبب لا أحد يعرفه. وربما تكون الموهبة لديهن ليست كافية للإنتاج الأدبي النسوي المكثف في اليمن، المبدعة يجب أن تكون متفرغة للكتابة فالكتابة تريد الإخلاص وليس العشوائية المطلقة والتسلية في أوقات الفراغ، الكتابة الأدبية تحتاج إلى حب واحتواء وحياة كاملة تشبعها.

– كيف يتعامل الإعلام المحلي مع إبداع المرأة؟

الإعلام المحلي مقصر وهذا ما نعرفه جميعا، وغياب المؤسسات الثقافية في ظل التهميش للثقافة وبشكل كبير خصوصا للكتاب اليمني الذي لا يصل إلى القارئ في الوطن العربي إلا بجهود شخصية منا في طبعاته وتوزيعه، الأمر الذي يطال المرأة الكاتبة والرجل المثقف تواجههم نفس الضغوط في مستوى تدني الإعلام.

– لكن ألم تشكل المواقع والمنتديات والمدونات الاليكترونية متنفسا للمبدعين المبتدئين، بعد ما كانت تواجههم مشاكل النشر، سيما المرأة المبدعة في مجتمع محافظ يحد من قدرتها في البوح بما لديها؟

المدونات أصبحت أكثر منافسة من المواقع والسبب أنه ليس لها قمع من المختصين بالمراقبة الإلكترونية، بينما المواقع تراقب وتفصل في حال أي طارئ. لكن المواقع عامة تفيد بشكل كبير في انتشار الكاتب والباحث والصحافي في توضيح قضايا صعبة لا يستطيع نشرها في صحف محلية أو عربية لسخونة ما تحتويه من ملفات عميقة وإثباتات لا يعقل خروجها للقارئ في تلك الصحف، أي محاسبة كتابها وهذا ما جعل كتاب الصحف والمجلات يفضلون اللجوء إلى المدونات لتكون لهم متنفس شاسع ولحرياتهم الكتابية بكل المجالات الصحفية وغيرها، المرأة المبدعة لها حرية التعبير فيما تكتب، فالكتابة الأدبية لا تحد من أهمية النص ولا بد من كسر التابوهات الثلاثة وهي: تابو الدين / وتابو السياسة / وتابو الجنس، كي تستطيع المرأة اظهار القوة في نصوصها مهما كان، وأعتقد أن الصحافة تقيم ما هو جيد، والمهم أن تكون رسالة المرأة الكاتبة لها تفرد ومعايير خاصة لا توقعها في التساؤلات الانتقادية غير المستحبة لها بداخل المجتمع العربي, عليها أن تكون ذكية كما ينبغي في توصيل المفهوم وبشكل لائق.

– هل نستطيع القول أن الشاعرة ليلى إلهان تكسر هذه التابوهات وتبوح لقرائها بما تكنه من خلال كتابتها؟ 

أحيانا  أكتب عن حالات خاصة بي، واحيانا أكتب عن حال المجتمع بكل ما يعيشه، وليس شرطا أن يكتب الشاعر عن حياته دائما مهما كان، فالشاعر خلق كي يعبر عن أمته و قضاياها الإنسانية والسياسية.

– الحضور المكثف للجسد في كتابتك يلفت انتباه المتلقي، ما تفسيرك لهذا الحضور؟  وهل هو رهين فترة عمرية معينة؟ أم تعبير يلازم كتابتك حتى إشعار آخر؟

 لماذا تقول حتى إشعار آخر؟ هو مقصود في كتاباتي لأنه جزء مني وهذا أسلوبي المختلف  وكل شيء في كتابة القصيدة النثرية ممكن، وتوظيف المعاني هو فن بحد ذاته، والجسد هنا يعتبر الحامل الوحيد لوجود الروح، فلا بأس أني استعين في كتاباتي بهموم هذا الجسد، وخصوصا في حال تعرضه للانكسارات المتفاوتة على مدى حياته، وهو يرافق صاحبه أين ما ذهب وأين ما حل، وأيضا فإن الجسد له لغته المعينة والإحساس بالجاذبية والموسيقى وارتباطه بالمسرح التعبيري في ادوار تتعلق به كي يقوم بتمثيلها وتقمصها، وهو بذلك يتقن لغته الجنونية أمام المشاهدة الحية وحركاته الرمزية في حياته العامة، ومن هذا المنظور تأتي تجربتي الحالية وما بعدها لسنوات قادمة.

–  كشاعرة وقاصة كيف تجدين حركة النقد في  اليمن؟

المفروض أن لا يطرح هذا السؤال..

– لماذا؟

لأن النقد لا وجود له أساسا، وإن وجد ليس بالصراحة المطلوبة والمرغوبة في تقييم الأعمال المطبوعة في السوق، وهذا ما يجعلنا نفتقد المصداقية في الأدب وما هو الجديد القوي لتقديمه للقارئ وللشباب من كتابات تبني أفكارهم ومعرفتهم وتشبع ثقافتهم، وليس مثل ما نجد الآن ثقافة باتت مزعجة، وذلك في ترويج العديد من الكتب الفارغة من العلم والثقافة وغير الصالحة في توفير المنهج الحقيقي لقضايا المجتمع من أبوابه الواسعة، أي أننا بذلك لا نعرف أين الكتب المفيدة لعدد المطبوعات الكبيرة والتي تكسب مكانها في المكتبات وهي لا أساس لها فيما نحتاج وما نرغب به، ولو كانت حركة النقد موجودة  لكنا في راحة من دخول الكتب المفسدة لعقولنا والمعاصرة لتيارات وعقائد  متنوعة تفقدنا التوازن الثقافي لكميتها الكبيرة والخارجة عن القانون.

– ماذا يعني لك البحر؟ حياة هادئة

–  الوطن؟ الهوية 

– القصيدة؟ الوطن

– الطفولة؟ الذكريات

– المساء؟ الموسيقى

ليلى إلهان في سطور: 

  • – عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وعضو نادي القصة اليمنية 
  • انتخبت مسئولا ثقافيا باتحاد الأدباء / فرع صنعاء
  •  صدر لها :
  • ” فاتحة القصيدة ” – إصدارات وزارة الثقافة والسياحة– صنعاء
  • عاصمة للثقافة العربية 2004م .
  • ” القمر الذي كرغيف السكر – عن الهيئة العامة للكتاب – صنعاء .
  • قليلا ما أكون” مجموعة صادرة عن دار أزمنة الأردن عمان، 2007م.
  • أنا ولكنني خارج الخدمة ” صادرة عن وزارة الشباب والرياضة .
  • (دون سابق حب) مجموعة قصصية قصيرة جدا صادرة عن دار أزمنة الأردن2011م
  • مجموعة شعرية” شارع سبعة “
  • نشرت قصائدها في المجلات والصحف اليمنية والعربية، وترجمت لها بعض النصوص الشعرية إلى اللغة الانجليزية في ملف خاص بالأدب اليمني المعاصر.
  • حاصلة على جائزة رئيس الجمهورية في الشعر 2008م.
  • –  حصلت على جائزة الدكتور المقالح في الإبداع الشعري 2014م.

رفع الدعم عن المشتقات النفطية في اليمن.. عبث حكومي أم شر لابد منه؟

 

 

yamana-2012

 

بعد إعلان الوحدة اليمنية في مايو 1990م بدأ يطرح موضوع “الإصلاح الشامل”، و قصد به الإصلاح المالي و الإداري و “السياسي”، بيد أن نشوب أزمة مفاجئة بين الحزبين الحاكمين حينها (المؤتمر و الاشتراكي) حال دون المضي في تطبيق البرنامج.

لكن الموضوع عاد ليطرح مرة أخرى بعد حرب 1994م، و أقرت الحكومة المؤلفة من حزبي المؤتمر و الإصلاح البدء في تنفيذ برنامج الإصلاح المالي و الإداري، و كان المفترض تنفيذ ربط الإصلاح المالي الذي يقصد به رفع جزء من الدعم عن المشتقات النفطية، بإصلاح إداري يتضمن تعزيز إجراءات الرقابة الحكومية و محاربة الفساد المستشري، كما اشترط ممثلو حزب الإصلاح في الحكومة وقتها.

لكن ما تم تنفيذه في العام 1995م اقتصر على رفع سعر دبة  البترول (20 لتر) من 120 إلى 250 ريال، أما الإصلاح الإداري الذي كان يومها مطلبا ملحا فقد ذهب أدراج الرياح.

و تراجعت الأوضاع الاقتصادية بينما كان المتوقع حسب وعود الحكومة أن تتحسن بعد رفع جزء من دعم المشتقات النفطية بينما توسعت رقعة الفساد و شراء الذمم، فالنظام الحاكم بعد ما تخلص من شريكه في التوقيع على الوحدة أصبح تركيزه في سنوات ما بعد الحرب على التخلص من شريكه الجديد.

و لأن الفساد استمر على حاله فقد ساءت أحوال المعيشة و الوضع بشكل عام ازداد هو الآخر سوءا و عوائد رفع الدعم لم تعد كافية لرفد خزينة الدولة الواقعة تحت سطوة عصابة كانت تسعى لتوسيع دائرة نفوذها و محاصرة خصومها، و هنا أعيد الطرح مجددا عن ضرورة الإصلاحات المالية و رفع جزء آخر من الدعم عن المشتقات النفطية، و طرح المؤتمر على الإصلاح هذه الفكرة لكن الأخير رفض مستندا على تجربة الخطوة الأولى حين ركزت الحكومة على الإصلاح المالي و تركت الإصلاح الإداري.

أعلنت الحكومة في العام 1996م، جرعة ثانية من الإصلاحات المنضوية تحت برنامج الإصلاح الشامل، لكنه غدا في نظر مختصين و خبراء برنامج الإفقار الشامل، لاعتماده فقط على جيوب الفقراء لتعزيز ميزانيته فيما أيادي اللصوص مشرعة لنهب الممتلكات العامة و الخاصة و برضا و مباركة رأس الحكم الذي كان يتباهى بتوسع قاعدته الشعبية على حساب شريكه القديم و في انتظار توسع جديد على حساب شريكه الجديد.

في الجرعة الثانية التي قوبلت باستياء عارم في صفوف المواطنين و لدى الخبراء و المعنيين على حد سواء، ارتفع سعر الدبة البترول من 250 إلى 400 ريال.

و في العام الذي يليه 1997م أجريت الانتخابات النيابية العامة، و حينها قال الرئيس السابق للنظام علي صالح إن عهد الجرع ولى و إلى الأبد، و من يقول أن هناك جرعة فهو مزايد و كذاب.

و مع ذلك فلم يمض العام 1998م إلا على صرخة أوجاع جديدة نتجت عن الجرعة الثالثة التي ضربت عرض الحائط بكل تعهدات صالح و نظامه، و تبين أنه لم يكن هناك كذب و مزايدة في التكهن بإقرار جرعة ثالثة بقدر ما تبين أنه الكذاب و لا غيره، خاص و قد صار سعر الدبة 700 ريال.

غادر الإرياني الحكومة بعد تحميله مسئولية الجرعة و جيء بعبدالقادر باجمال لكن الفساد ظل هو لحاكم المهيمن على كل المؤسسات و المرافق و المواقع الحكومية بينما السخط الشعبي يتزايد يوما بعد آخر و رقعة الفوضى تتمدد يمينا و شمالا على وقع الإخفاق المتوالي ليس في الاقتصاد فقط و لكن في كافة النواحي و المجالات.

كان اعتماد الحكومات المتعاقبة على عوائد بيع النفط بنسبة تزيد عن 70 بالمائة محل انتقاد الخبراء و المنظمات المعنية داخليا و خارجيا، و مع ذلك ظلت اليمن مكتفية بما يعود عليها من بيع النفط خاصة بعد إقدام النظام على بيع الغاز اليمني للاحتكار الفرنسي- توتال و الشركة الكورية الجنوبية، و بسعر زهيد جدا ظل يشكل عبئا على الاقتصاد الوطني لم يلفت له المعنيون بالأمر إلا بعد اندلاع الثورة، و لا يزال الأمر عالقا في بعض جوانبه.

و مع أن صالح و حكوماته تعهدوا مرات كثيرة أن لا عودة للجرع فقد جاءت الذكرى ال28 لتولي صالح سدة الحكم و معها إعلان جرعة جديدة دفعت لأعمال شغب و احتجاجات واسعة في غالبية المدن و المحافظات منتصف يوليو 2005م حينما رفع سعر البترول من 700 إلى 1300، و تم تعديله فيما بعد إلى 1200 ريال.

الوضع بعد الثورة

كان من الطبيعي في بلد يعاني أوضاعا اقتصادية صعبة و سياسية متأزمة و أمنية متدهورة أن يتضاعف الخراب بعد اندلاع الثورة و سقوط أجزاء واسعة من مقومات النظام – و لو شكليا- في كثير من المناطق شمالا و جنوبا و شرقا و غربا على السواء، إما في يد عصابات مسلحة كالحوثيين و القاعدة أو مناطق تخضع للصراعات ذات البعد الاجتماعي و السياسي المحدود أحيانا و غير المحدود أحيانا أخرى كما في كثير من أجزاء البلاد.

و تبع ذلك هجمات متوالية على المصالح الاقتصادية الكبرى بدءا بالنفط و الغاز و ليس انتهاء بالكهرباء و المياه و الطرقات، الأمر الذي ضاعف من تبعات القائمين على الحكم في صيغته الجديدة المستندة إلى المبادرة الخليجية و اتفاق نقل السلطة.

و وجد اليمنيون أنفسهم أمام أزمات متلاحقة كل واحدة منها تمسك بتلابيب الأخرى، و ما تنقضي أزمة إلا على أصوات أخرى قادمة، بعضها كان يفتعل لتحقيق أهداف و مكاسب سياسية جديدة أو للحفاظ على مكاسب قائمة، و بعضها كان لها جذور و خلفية كامنة و تحتاج معالجات جادة و طويلة.

و مع تزايد الأزمات و تلاحقها في السنوات التي أعقبت اندلاع الثورة الشعبية مطلع العام 2011م، إلا أن رفع الدعم عن المشتقات النفطية بصيغته الأخيرة التي أقرتها الحكومة أواخر الشهر الماضي يعد مفصلا حاسما في مسار الوضع الاقتصادي في مرحلة ما بعد الثورة، إما لأنه جاء في توقيته متزامن مع تصاعد أعمال عنف و مواجهات في أكثر من منطقة و تردي خدمات الكهرباء و المياه و الاتصالات، أو لأنه تضمن ارتفاعا في القيمة الجديدة لم تكن متوقعة (أربعة آلاف ريال).

و بعيدا عن السخط المتوقع إزاء كل إجراء مماثل يطرح التساؤل عن جدوى هذا القرار و ضرورته، إن كان ثمة جدوى و ضرورة، و هل كان يمكن تلافي الوصول إلى مثل هذا القرار و العمل بصيغ و بدائل مناسبة؟

يشير الخبراء بإنصاف إلى أن الخيارات أمام الحكومة في الأوضاع و الظروف الراهنة غدت شبه محدودة، خاصة مع تزايد أعمال التهريب التي تستغل فارق السعر بين المحلي و العالمي و عدم القدرة على ضبط المنافذ و المعابر التي تستخدم لمثل هذه الأعمال في ظل ضعف الأجهزة الأمنية و الرقابية، كما و يحضر عامل مهم في الموضوع و يتمثل في تراجع إنتاج النفط بعد ارتفاع وتيرة الاعتداءات على أنابيب و حقول النفط في أكثر من منطقة، و هو ما أدى بالتالي و كنتيجة متوقعة بالضرورة إلى تراجع حصة الحكومة من عوائد بيعه الزهيدة أصلا، و بالمقارنة بين أكثر من ثلاثمائة ألف برميل يوميا كانت تنتج في الفترة السابقة لاندلاع الثورة و قرابة مائة ألف هي إجمالي ما بات ينتج في الوقت الراهن يتجلى الفرق واضحا و كبيرا إلى الحد الذي بات يهدد بكارثة اقتصادية. 

و كانت الميزانية السنوية للعام الحالي 2014 توقعت رفعا محدودا للدعم عن المشتقات النفطية كما يتضح من خلال أرقام و بيانات الميزانية التي أقرها البرلمان، و مع ذلك حاولت بعض القوى السياسية و الميليشيات المسلحة أن تركب موجة الغضب العفوي و الترويج لنفسها كما لو كان لديها رؤية اقتصادية واقعية متكاملة، لكنها انتكست بفعل الوعي الوطني الذي وجد طريقه لشريحة واسعة من المواطنين، حيث أدركوا أن من يسهل عليه قتل الأبرياء و إحراق المنازل و نهب الممتلكات لن يكون صادقا في زعمه الحرص على سعر دبة بترول أو ديزل مهما كان صوته مرتفعا و صراخه لا ينقطع.

مدخل

و هاأنا ذا ألملمُ ما تناثر من بقايا الضوء في كوخي،

و أرسم في قراطيسي (مواعيد الغروبْ)،

أحاولُ نسجَ قافيتي بلون الماء يجري في الجداول،

ساكبــاً في النهر أحلامي و أيامي،

 حكايا الليل،

 ألحان الصباح..

إذا امْـتـَطتْ في الأفق أطرافَ الدروبْ،

و أجمعُ ما تبقـّى من صدى البسمات،

 أنداء الحنين،

غمامة الكلمات،

 بوح الحرف،

خـُطـْوات الطريق من البداية للنهاية،

رحلة الأشواق ما بين القلوبْ

حكاية عاشقٍ

ألفى الغرام برحله و رحيله

 و مضى يمدّ له لحاف النور

 في غسق الكروبْ

  أناشيد الرعاة،

حداء قافلةٍ،

ترانيم الطريق،

هدير حافلةٍ مسافرةٍ،

زغاريد الطيور،

هديل أسراب الحمام،

نشيد فجر قادمِ،

تذكار حبٍ عابرٍ،

و صهيل خيلٍ

صادرته الريح في أرض الحروبْ 

 

1551