كل المقالات بواسطة Foad Mosed

كاتب صحفي، وباحث ومدون، مهتم بالشؤون السياسية وقضايا الصراع وحل النزاعات. يكتب في عدد من الصحف والمواقع الإخبارية اليمنية والعربية. محلل سياسي في عدد من القنوات الفضائية ووكالات الأنباء العربية والعالمية. صدر له كتاب (الثورة اليمنية والانقلاب والحرب)، أبريل 2020. ودراسة بحثية عن الصراعات السياسية في اليمن، مايو 2020. كما صدر له دراستان في الفلسفة: الأولى (منظور بيجوفيتش بين الدين والفلسفة) أكتوبر 2015. والثانية (الإسلام في المنظور الفلسفي لهيجل). سبتمبر 2015. وصدر له ديوان شعر بعنوان (مواعيد الغروب) أبريل 2020.

ماذا فعل الحوثيون في صنعاء؟ حصاد شهر من سيطرة الميليشيا

 بحلول اليوم الأربعاء 22 أكتوبر/تشرين يكون قد إنقضى شهر كامل على سقوط العاصمة اليمنية صنعاء في قبضة الميليشيا الطائفية المسلحة “الحوثيين”، وهو الحدث الذي لم تستوعبه الغالبية العظمى من اليمنيين حتى اللحظة. متابعة قراءة ماذا فعل الحوثيون في صنعاء؟ حصاد شهر من سيطرة الميليشيا

(ميليشيا تقتل باسم الله)

 

 

قتلوا أسامة وأربعة من أهله وفخخوا جثته ثم فجروا منزلهم

(ميليشيا تقتل باسم الله)

 

نمْ في عيوني

يا أسامة

إنّ البلاد بلا كرامة

نمْ فالرجولة

بنت ليلٍ

والرجال بلا شهامة

نمْ واتركِ الأحلام

تدعو للطفولة بالسلامة

ستقول أمك

للجفاف

بأنها أمّ الغمامة

وتقول أختك

للرصاصة أنها أخت الحمامة

وتقول أنت

بأنّ جرحكَ

في جبين الله شامة

نم يا حبيبي

إنّ هذا

الموت مفتاح القيامة

قسما بمعطفك

الأنيق

ونعلك المرفوع هامة

أنْ لا

نسالم قاتليك

ولا نعود إلى الإمامة

الشاعر عامر السعيدي

 

 

  • الحادثة باختصار: هاجم المسلحون الحوثيون منزلا في مدينة يريم بمحافظة إب، وقتلوا خمسة من أفراده بينهم طفل لم يكتف المجرمون بقتله، بل وضعوا تحت جثته عبوة ناسفة لتنفجر في أهله إن حاولوا الاقتراب منه…وفي الأثناء سارعوا لتفجير المنزل بعد نهبه، (كل هذا وقع بعد ساعتين من اتفاق بين الطرفين على التهدئة).
  • في غضون دقائق قليلة حدث كل ما حدث، ليست جريمة واحدة ولكنها سلسلة رعب وإرهاب لم تخطر على بال أكثر المجرمين وحشية، وربما يقر الجيش الإسرائيلي بضعف قدراته عن ابتكار مثل هذا الانحطاط.
  • من كان يعرف شيئا عن عصابة الحوثيين وأتباعها الإرهابيين القتلة فليتخلى عن معارفه وأحكامه السابقة، وليكتفي باعتبارهم مجرمين وقتلة وإرهابيين فقط لأنهم مرتكبو هذه الجرائم وفي مقدمتها قتل الطفل أسامة بدير وتفخيخ جثته ثم تدمير منزل أسرته، كما فجروا ودمروا عشرات المساجد ومدراس تحفيظ القرآن والمنازل في جميع المناطق  التي وصل مسلحوهم إليها.
  • إلى هنا لم تنته القصة، بقي التذكير أن مرتكبي الجريمة/الجرائم يصفون أنفسهم بـ”أنصار الله”، ويزعمون أنهم من “أحفاد رسول الله”، يضعون ما يقومون به من إرهاب وعنف يأتي في سياق “المسيرة القرآنية”، ما يعني أن خصم الضحايا اليمنيين ليسوا بشرا عاديين، ولكنهم أنصار الله وأحفاد رسوله وهم يمضون بالمسيرة القرآنية،
  • يا الله، إنهم يدمرون المساجد ويطلقون التكبير باسمك الكريم، ويقتلون الأبرياء ويزعمون أنهم بهذا يناصرونك، ويرتكبون كل جريمة تترفع الوحوش عنها ثم يصرخون: النصر للإسلام!
  • يا رسول الله، إن القتلة واللصوص يدعون أنهم أبناؤك وأحفادك، وزعيمهم كلما أولغ في الإثم والعدوان ناداه المأجورون من حوله: يا ابن رسول الله!
  • متى كان قتل الأبرياء المسلمين من شعائر مسيرة القرآن، وهو الداعي للإحسان والناهي عن العدوان؟
  • كم هو حظنا –نحن اليمنيين- سيئ جدا، حتى في طبيعة خصومنا، إنهم ليسوا اليهود الذين احتلوا فلسطين، وليسوا الصليبيين الذين شنوا الحروب والحملات قديما وحديثا على العالم الإسلامي، وفي الحالتين كنا سنطالب بحقنا بالخلاص من “عدو”، وربما يكون هناك من يتعاطف مع مطالبنا، ولكن هل نقول أن خصومنا: “أنصار الله”؟ حسب زعمهم، وأعداؤنا: أحفاد الرسول الذي حمل للعالمين رسالة الرحمة؟ وفق دعواهم، ومن يهدم المنازل ويقتل الأطفال ويرتكب بحقنا الجرائم هم رهبان مسيرة القرآن؟ أو هكذا زعموا..   

اليمن: حروب ما بعد الدولة

 

اليمن بين القاعدة و الحوثي

في الليلة التي سقطت فيها العاصمة صنعاء، ومعها مؤسسات الجيش والأمن والمباني الحكومية والمواقع العسكرية في قبضة ميليشيا طائفية مسلحة، اعتقد كثير من اليمنيين، -ومعهم الحق في ذلك- أن مرحلة بالغة السوء والخطورة وشديدة الانحدار بدأت نذرها الكارثية شاخصة أمام الجميع.

لم تبلغ الدولة اليمنية للضعف الذي بلغته في تلك اللحظة، ولم يصل اليمنيون لليأس والانهيار كما بدوا عليه في تلك الليلة وهم يرون عصابات الحوثي المسلحة يقتحمون المنازل وينهبون الممتلكات ويعتدون على الحرمات بشكل كشف ما حاولوا تغطيته من سقوطهم وانحطاطهم.

اعتقد الرئيس هادي ومعه بعض مساعديه أن ظهوره وهو يوقع مع الحوثيين اتفاق السلم والشراكة بعد ساعات من سقوط العاصمة في أيادي مسلحيهم، سيستر عورته وهو يظهر عاريا من كل ستر، لكن عار السقوط كان هو الملمح الأبرز في وجهه وهيئته، حتى وهو يحاول تسويق نبأ التوقيع على الاتفاق في قاعة منعزلة في مبنى الرئاسة المحاط بميليشيا الحوثي، بشيء من الزهو والانتصار المنقوص، فإن صفرة الهزيمة نالت منه وغلبته.

ما حدث في صنعاء من سقوط مفاجئ لمؤسسات الجيش والأمن بذلك الشكل المثير للتساؤل و المخاوف في آن معا، ليس سوى مقدمة لما سيأتي بعده من مخاطر وانتكاسات لن تقف في مكان دون آخر، ولن تقتصر على مشهد واحد أو جبهة واحدة، فالميليشيا التي احتفلت بانتصار (ثورتها) ظلت أطماع سيدها تكبر وتكبر، وجموحه الهائج بدا في أشد حالات جنونه المرضي، ومن يومها وهو يتحدث بصفته حاكما مالكا، والبقية مجرد بيادق ودمى تتحرك حسب رغبة محركيها لا أكثر. وهو الوصف الذي أطلقه زعيم الحوثيين على الرئيس هادي في خطاب تحريضي مطول.

إن كان للحوثيين مشكلة مع قبائل حاشد، فما علاقة أبناء الحديدة في هذه المشكلة حتى يسارع الحوثيون لاحتلالها والسيطرة عليها؟

لو كانت مطالب الحوثيين تتمثل في محاربة الفساد كما يزعمون، فلماذا تركوا رمز الفساد الحاكم ثلاثين عاما، بل سارعوا لحراسته وتأمين حمايته؟

السؤال الأكثر أهمية هنا وفي هذه اللحظة بالذات: ما الذي يريده الحوثيون من محافظات الوسط (إب وتعز والبيضاء)؟ ودعكم من مبرراته السخيفة حين يزعم أنه يحارب القاعدة والدواعش، لسبب بسيط أنه ليس من مهامه أن يتصدى لمثل هذه الجماعات في الوقت الذي يشكل الحوثيون عصابات تحمل من نوازع الإجرام و القتل والنهب والتفجير أضعاف ما تفعله القاعدة، وفي ما قاموا خلال أقل من عام منذ خروجهم من صعدة وحتى وصولهم صنعاء وعمران يؤكد ذلك.

كلما في الأمر أن الحوثي لديه مجموعة مسلحة قادرة على التسلل من الثغرات والفجوات التي خلفها ضعف الدولة وهشاشة بنائها العسكري و الأمني، وبالتالي سعت هذه المجموعة لمهاجمة المواقع ونهب الممتلكات والاعتداء على كل من يخالفها باعتباره “قاعدة”، حتى لو كان هذا الخصم هو القاعدة نفسها، كما يحصل في المناوشات الأخيرة التي شهدتها مناطق في البيضاء، فإن الحوثيين لم ولن يكونوا على حق، لأن الجهة المخولة بمواجهة القاعدة هي الدولة مهما بلغ ضعفها والجيش مهما كان وضعه، بالإضافة لأحقية أبناء المناطق المتضررة من تواجد القاعدة في مواجهتها حيث أثبت وجود لجان شعبية من أبناء المناطق نفسها نجاحا في الحرب على القاعدة، أما أن يتقاطر مسلحو الحوثي من شمال الشمال إلى مناطق أخرى بدعوى مواجهة القاعدة فهذا دليل على أن الجماعة تنظر لنفسها باعتبارها دولة وجيش وقضاء وأمن وكل شيء، وعلى الآخرين القبول بالوضع الذي تفرضه عليهم باعتباره أمرا واقعا، وإلا فإنهم إرهابيون وداعشيون!

مواجهة الحوثيين مع القاعدة مهما كانت جرائم الأخيرة هي تعبير آخر عن انهيار كامل للدولة بمعناها الوجودي، ولا يحدث مثل هذا الصدام إلا في بلدان أصبح وجود الدولة فيها في حكم المنعدم، كما هو حال الصومال والعراق وسوريا، مع قناعتنا أن الحرب بين الطرفين إذا لم تهدد حياة الأبرياء فهي نتاج طبيعي لأمراء حرب يختلفون في المذهب ويتفقون في القتل والاعتداء، وفي خلاص اليمنيين من كليهما فرصة لا تقدر بثمن في إرساء دولة جديدة لا مكان فيها للعصابات التي ترتكب الجريمة باسم الدين والدين بريء منها.

قد يستغل الحوثيون اسم القاعدة كمبرر لتوسعهم في مناطق لا يربطهم بها أي رابط، وفي المقابل تستغل القاعدة كونها تواجه (الروافض) في استمالة قبائل ومناطق سنية شافعية لن ترحب بأي تواجد حوثي مسلح على أراضيها مهما كانت مبرراته، ومن كلا الخطابين التحريضيين ستتوقد نار الحرب وتزداد اشتعالا، كما أن هذه الحرب إن لم تتوافر الظروف لوقفها فلن تعدم مبررات ودوافع أخرى.

وعودا على بدء: إن سقوط الدولة وانهيار جيشها وفر ظروفا ملائمة لصراعات قادمة لا تعني اليمنيين في شيء، حتى وإن شارك فيها يمنيون، كما هو الحال في الحرب التي يكون طرفاها القاعدة والحوثيون، وفي المقابل فإن السقوط ذاته يحتم على اليمنيين الدفاع عن أنفسهم كل بطريقته وحسب ظروفه وإمكاناته، وإن مهاجمة الحوثيين لبعض المناطق بمبرراتها الواهية لا تمنحهم حق التواجد في أي منطقة يمنية غير مناطقهم التي قدموا منها، وبالتالي فمن الحق الطبيعي لأبناء هذه المناطق أن يواجهوا عنف الحوثيين وهمجيتهم بما يتناسب معها، وكذلك الحال بالنسبة للقاعدة.

انفصال جنوب اليمن.. هل يصبح حقيقة؟

 

 

نشر في موقع رأي اليوم

لم يحصل رئيس يمني على دعم إقليمي ودولي، وتأييد محلي كما حصل عليه الرئيس الحالي/عبدربه منصور هادي، وربما لن يحصل عليه أي رئيس قادم. ومع ذلك فلم تسقط هيبة الدولة وترتخي قبضتها وتتساقط محافظات بالكامل- والعاصمة في مقدمتها- في أيادي جماعات مسلحة كما حدث إبان حكم الرئيس هادي ولا يزال يحدث حتى الساعة.

عندما تسلّم هادي مقاليد السلطة أواخر العام 2011م وفقا للمبادرة الخليجية التي وقعتها الأطراف السياسية اليمنية في نوفمبر/تشرين من العام نفسه، كانت القضية الجنوبية هي أكثر قضايا اليمن تعقيدا بفعل المطالبات المستمرة من قوى الحراك الجنوبي الانفصال بفصل جنوب اليمن عن شماله، وإنهاء الوحدة التي أعلنت في مايو/أيار 1990م، وكان الحراك الجنوبي أقوى فصيل سياسي يحظى بوجود وتأييد شعبي وقاعدة جماهيرية متماسكة، إلا أن الرئيس الجنوبي هادي استطاع أن يفكك بعض قوى الحراك، وتمكن من اختراق صفوفه، ودفع بعدد من فصائل الحراك ورموزه القيادية للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد خلال الفترة (مارس/آذار 2013م- يناير/كانون ثاني 2014م)، وهو ما أضعف موقف الحراك داخليا وخارجيا، وظهر منقسما على نفسه بفعل مشاركة بعض المحسوبين عليه في وقت ظل يعلن رفضه المشاركة في الحوار الوطني.

بالنسبة لجماعة الحوثي (الشيعية المسلحة المتمردة شمال اليمن)، فقد كان تواجدها قبل تسلم هادي الرئاسة مقتصرا على بعض مديريات محافظة صعدة شمالا، لكن توسعهم ظل يتزايد يوما بعد آخر حتى استطاعوا الشهر الماضي السيطرة على العاصمة صنعاء واقتحام مقرات الحكومة وقيادة الجيش ومرافق أمنية وخدمية ومؤسسات عامة وخاصة، واستحدثوا نقاط تفتيش تجاوز عددها في العاصمة وحدها مائتين نقطة. وفي اليومين الماضيين تمكنوا من السيطرة على أهم محافظة في غرب البلاد، وهي محافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر، و القريبة من ممر باب المندب ذي الموقع الاستراتيجي المهم إقليميا ودوليا.

وبالإضافة لإخفاق سلطة هادي في إحداث تغيير ملموس في الجوانب الاقتصادية و المعيشية فإن الخدمات ظلت تتراجع بشكل مخيف، وتدهورت الأوضاع الأمنية في مختلف أرجاء البلاد، واستفاد تنظيم القاعدة من هذه الأوضاع وتمكن من توجيه ضربات عديدة قاصمة للجيش والأمن و الاقتصاد بعمليات مباغتة طالت وزارة الدفاع بالعاصمة ومقرات قيادة الجيش والأمن والمناطق العسكرية في أكثر من جهة، وعلى وجه الخصوص في عدن وحضرموت .

وفيما كان مسلحو الشيعة الحوثيين يواصلون السيطرة على المواقع العسكرية والأمنية في شمال اليمن فإن القاعدة لم تتوان عن مواصلة القتال في عدد من محافظات الجنوب والوسط و السعي المستمر للسيطرة على عدد منها، كما هو الحال في بعض مناطق محافظة شبوة وحضرموت (جنوب) والبيضاء (وسط).

وإزاء هذه التداعيات وجد  الحراك الجنوبي نفسه أمام واقع يدعمه بكل قوة لاستئناف نشاطه في المطالبة بالانفصال، خاصة بعد سقوط محافظات بأكملها في قبضة الميليشيا الطائفية التي تعد نقيضا مذهبيا وطائفيا للجنوبيين الذي يتبعون المذهب السني (الشافعي)، ناهيك عن كون هذا التطور الأخير قد دفع بالمئات من الجنوبيين الذين كانوا يرفضون الانفصال لتغيير موقفهم انطلاقا من أهمية المحافظة على الجنوب بعيدا عن الصراع الطائفي والحرب الأهلية التي باتت خيارا مطروحا في ظل سيطرة الحوثيين على الشمال وتواجد تنظيم القاعدة في مناطق عديدة،  فضلا عن قدرة هذا الأخير على اختراق السياجات الأمنية لخصومه سواء في الحكومة أو ميليشيا الحوثيين كما حدث في الأيام القليلة الماضية حين أوقع عشرات القتلى و الجرحى في صفوف الحوثيين جراء عمليات انتحارية بعضها في العاصمة وأخرى خارجها.

وفي الاحتفال الذي أقيم الثلاثاء بعدن بمناسبة الذكرى ال51 لثورة 14 أكتوبر/ ضد الاستعمار  البريطاني لجنوب اليمن، صعد الانفصاليون احتجاجاتهم استنادا للوقائع والتطورات الجديدة، ولأول مرة يقوم الحراك بتوجيه إنذار للشركات العاملة في جنوب اليمن، يطالبها بإيقاف عملها وتعاقداتها مع الحكومة القائمة التي يصفها بحكومة الاحتلال، كما يدعو في بيانه الصادر عن الفعالية المشار إليها طالب الحراك الجنوبي أجهزة الدولة بالاستسلام، كما طالب الموظفين المنتمين للمحافظات الشمالية بتسليم مواقعهم ومراكزهم الحكومية للجنوبيين، وحدد لذلك نهاية الشهر المقبل موعدا نهائيا للتسليم.

وكان حزب الإصلاح بعدن (الإخوان المسلمين) أعلن صراحة وقوفه مع الجنوبيين المطالبين بتقرير المصير، وهو أول موقف يصدر عن الحزب في هذا الاتجاه، وهو الذي كان أكثر الأحزاب دفاعا عن الوحدة اليمنية ومهاجمة للمطالبين بالانفصال، بيد أن التغير لم يقف عنده لكنه طال قوى وتيارات سلفية (سنية) ومكونات شبابية ثورية ظلت تتبنى الدعوة لبناء يمن جديد موحد، ولعل آمال بقاء اليمن موحدا تبخرت على وقع السقوط الدراماتيكي للمحافظات اليمنية خاصة تلك المحافظات السنية وسط البلاد.

مما سبق يتجلى أن أبرز التغيرات التي شهدتها اليمن مؤخرا أفضت إلى انهيار شبه كلي للدولة – معنى ومبنى- في وجدان اليمنيين وذاكرتهم الجمعية، وبات المستفيدون من ذلك موزعين بين الميليشيا المسلحة (الشيعية) والعناصر الجهادية (السنية)، والقوى الانفصالية، ومعها تجار الحروب وأمراء الصراعات في الداخل و الخارج.

14 أكتوبر.. مشعل ثورة لا يخبو وقنديل حرية لا ينطفئ

 

فؤاد مسعد

في البدء كانت الثورة

منذ انطلاق ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م وهذا التاريخ يمثل واحدة من أبرز محطات التاريخ اليمني الحديث والمعاصر، ليس لكونه اليوم المرتبط بتحقيق الإستقلال الوطني وطي صفحة الإحتلال الإنجليزي للجنوب فحسب، ولكن بما أسست له ثورة أكتوبر المجيدة من دولة حملت على كاهلها مهمة  إستئناف البناء الوطني وتحقيق أهداف الثورة وتلبية طموحات الشعب بعد توحيد ما يزيد عن عشرين سلطنة وإمارة ومشيخة، ذابت جميعها وإنصهرت في بوتقة الوحدة الوطنية، وعلى الرغم مما صاحب تلك التجربة التاريخية من معوقات وما رافقها من أخطاء، فإن الحقبة التالية لثورة أكتوبر تبقى مرحلة مفصلية في تاريخ اليمن والجنوب منه على وجه الخصوص.

يظل الرابع عشر من أكتوبر مشعل حرية متوهج و رمز تحرير لا تطمره السنون ولا يطاله النسيان مهما تغيرت الأحوال والظروف من حوله، كما وسيبقى  منارا للباحثين عن فضاء وطن لا يضيق بأبنائه ولا يصير حكرا لنفر قليل تمكنوا في لحظة ما من الإمساك بتلابيب السلطة والقوة والثروة والنفوذ وغدوا وحدهم الأوصياء على البلد يقررون نيابة عن الجميع تنصيب أنفسهم ملوكا بلا نهاية وزعماء بلا حدود.

حرب الإقصاء  تستهدف أكتوبر

منذ حرب صيف 1994م تغير الواقع في الجنوب شيئا فشيئا على الاتجاه المعاكس من ثورة أكتوبر، ونجم عن ذلك ما نجم من كوارث ومآس ٍ لم يعد أمرها خافيا على أحد، صارت قوة الغالب في الحرب التي غلبت الجميع هي عدة المنتصر المتكئة على صلف النصر المزعوم وزيف انتصاره، أدمن استخدام تلك القوة وأشهر سيف كبريائه وجنونه على الجميع، وراح يبالغ في إنزال أقصى العقوبات وأقساها بحق الشريك الذي وقع في شرك الهزيمة وطاردته لعنة حرب الوحدة حين وجد نفسه يحصد ثمار وحدة الحرب التي قال المنتصر بضرورة أن تعمد بالدم، وتعين على أولئك الذين هتفوا طويلا في طابور الصباح لأجل الوحدة أن يدفعوا ثمن الهزيمة في حرب هُزم فيها المستقبل،

وفيما كان بدأ غالبية أبناء الجنوب يجأرون بالشكوى مما طالهم من إقصاء وتهميش، كان الحاكم بأمره يزيد انتفاشا وزهوا وهو يجتر ذكرى الحرب التي قسمت البلد كلها عليه وحده لا شريك له بعد ما وجد نفسه يصول ويجول في وطن تتناقص ساحته من تحت أقدام الشركاء وترمي بهم خارج أسوار وطنهم، لتمتد أمام ناظري صاحب الفخامة وهو يجرب مختلف أشكال التضليل والدجل مثلما يقوم بتغيير أنواع النظارات التي تليق بعينيه التين تشبهان عيني غراب يبحث عن حفرة تنضح دما آسنا وفاسدا كحكمه.

بعد سنوات قليلة من الحرب المشؤومة وبعد سلسلة طويلة من ممارسات السلطة الهادفة في مجملها لطمس كل ما يمت  لثورة  أكتوبر المجيدة بصلة، حتى طال الثورة ما طال غيرها من ممارسات الضم والإلحاق حين جاءت مقولات واحدية الثورة التي سوقت ولا زالت لفكرة الزعيم الواحد، وهو وحده الذي حقق الوحدة بدون شريك، كما وهو يمثل نهاية التاريخ في مسار الثورة، إذ صار في نظر مهرجي إعلامه المناضل الذي لولاه لما كانت هناك ثورة، ولم تعدم منشورات التوجيه المعنوي شاهد زور يتكفل بتقديم الأدلة القائلة بكون فخامته أحد مفجري الثورة التي غدت تعرف باسم “الثورة الأم” بينما غيبت أدوار المناضلين والشهداء الذين قدموا أرواحهم رخيصة وهم يروون شجرة ثورة الرابع عشر من أكتوبر، وكل ذلك الطمس والإلغاء والمصادرة بحق ثوار أكتوبر يأتي في سبيل تقديم صاحب الفخامة محتكرا الوطن والثورة والوحدة والديمقراطية، حتى ولو كان هو ذاته الذي يمارس أبشع الأعمال بحق الثورة والوحدة والديمقراطية.

الحراك الجنوبي يعيد الاعتبار لثورة أكتوبر

 و كردة فعل على ممارسات نتائج الحرب التي أفرغت الوحدة من مضمونها السلمي وروحها الديمقراطية، تزايدت موجة الرفض في أوساط الطرف الذي بدا مهمشاً ومحاصراً ومطارداً في أكثر من مرفق حكومي وفي  أجهزة  كافة الدولة كما في جيشها وأمنها، و كلما زاد صراخ الضحايا أمعن الباغي في غيه وظلت العزة بالإثم طريقته المفضلة في مواجهة أصحاب الحقوق المصادرة في سادية بليدة، ومن هنا تزايد الرفض وتعالت الأصوات في مواجهة صاحب الصوت الصاخب بهدير مدافع الحرب المجنونة وهذيانها اللا متناهي،

وعلى مدى سنوات مضت كان الحاكم العسكري كلما سمع صوتا يطالب بحق أو يجهر بشكوى رفع عقيرته وأشهر سيف اتهاماته المصلت على الرؤوس: أنت يا هذا انفصالي، أنت خائن، وعميل للدوائر التي تتربص بالوطن وقائده، بقائد الوطن أو وطن القائد لا فرق.. وغيرها كثير مما لا يعد ولا يحصى من التهم التي ظلت تلوكها آلة الإعلام الرسمي.

وفيما كان الحاكم يغط في سباته العميق متكئا على انتصاراته العمياء ومنجزاته الوهمية كانت تتبلور في غالبية شوارع مدن الجنوب وقراها حركة الرفض المدوية التي صارت تعرف باسم “الحراك الجنوبي”، وفي غضون أشهر قليلة صار لها صداها القوي داخليا وخارجيا، وكانت هذه الحركة ونشاطها الدؤوب من القوة والثقة بما جعل الجميع يقر باستحالة بقاء وحدة الفيد المدعمة بقوة غاشمة لا تعرف حدود الشراكة ولا حقوقها.

ومهما يكن على الحراك الجنوبي من مآخذ ومساوئ ارتبطت ببعض عناصره او علقت في ثنايا بعض من خطاباته فيحسب له الانتصار لثورة أكتوبر، إذ كان منذ ظهوره في العام 2007م، الرافعة الجماهيرية والسياسية والإعلامية التي أعادت لأكتوبر ألقه بعد سنوات من الطمس والتغييب والمصادرة التي استهدفت في طليعة ما استهدفت ثورة أكتوبر ورموزها ومناضليها وإعلامها، وفي سبيل ذلك إستماتت أدوات الحرب في ملاحقة كل ما يتعلق بالثورة المجيدة لتصل إلى ما يمكن أن يكون قد علق في الذاكرة من محطات ومعالم ورموز وأسماء لها صلة ما بثورة أكتوبر، ولقد كان للحراك الجنوبي دوره البارز بشكل مباشر وبأشكال أخرى غير مباشرة في رد الإعتبار لهذه الثورة، والأدلة على ذلك كثيرة ومعروفة وفي مقدمتها إن كوكبة من شهداء الحراك السلمي الجنوبي قضوا وهم يستميتون دفاعاً عن ثورة أكتوبر واحتفاء بذكراها الخالدة حيث يأتي شهداء منصة ردفان في 13 أكتوبر عام 2007م كأبرز الأدلة وأقواها على ذلك.

 

  • نشر المقال في أكتوبر 2011م في صحيفة الوفاق.

 

تعايش ديني يصارع من أجل البقاء في ثغر اليمن الباسم

 

فؤاد مسعد- عدن

 

 

مدينة عدن لا تزال إلى اليوم تحافظ على مكانتها التاريخية كموطن ضم مكونات اجتماعية ودينية وفكرية متنوعة، والوحيدة التي مازالت تحتفظ بكنائس.

 

تقرير نشرته وكالة الأناضول عن التعايش الديني في عدن اليمنية 

حافظت مدينة عدن اليمنية، جنوبي البلاد، على مكانتها التاريخية كموطن للتنوع ضم مكونات اجتماعية ودينية وفكرية، وبعد أكثر من عقدين على رحيل الاحتلال الإنكليزي منها، إلا أن المدينة الملقبة بـ” ثغر اليمن الباسم” تعد المحافظة اليمنية الوحيدة التي مازالت تحتفظ بكنائس حتى الوقت الحاضر.

ساهم موقع مدينة عدن اليمنية الجغرافي المطل على واحد من أهم الممرات المائية الدولية، والأحداث والوقائع التاريخية التي شهدتها في الماضي، وأبرزها الاحتلال البريطاني الذي استمر زهاء 129 سنة، في تنوعها واختلافها عن سائر المدن اليمنية الأخرى، حيث جمعت المدينة التي لقبت بـ” ثغر اليمن الباسم” بين مكونات اجتماعية ودينية وفكرية مختلفة.

كنيسة دمرت بعد الحرب الأهلية التي اندلعت سنة 1986 في عدن

وتذكر المصادر التاريخية، أن الآلاف توافدوا، خلال فترة الاحتلال البريطاني (1839-1967)، إلى عدن من دول وقارات عديدة، واستقبلت المدينة هجرات متنوعة، بعضها كان بدعم من السلطات البريطانية الحاكمة بهدف التأثير على التركيبة السكانية التي كان العنصر العربي واليمني خاصة هو الغالب عليها.

ولا تزال شواهد هذا التنوع قائمة حتى اليوم، منها كنائس المسيحيين، وإن كانت غالبيتها لم تعد تؤدي المهام التي وجدت من أجلها، باستثناء البعض، حسب مؤرخين.

ويقول بلال غلام حسين، الباحث المتخصص في تاريخ عدن، إن عدن من ضمن مدن قليلة على مستوى العالم عرفت التعايش الإنساني بين كل الكيانات الإنسانية وثقافة القبول بالآخر، وانتشار التسامح الديني بين مواطنيها.

كنسية “سانت أنتوني” لا تزال قائمة حتى اليوم في منطقة التواهي جنوب غرب عدن

ويرى بلال أن الفترة التاريخية التي تجلت فيها مظاهر التعايش، هي التي كان يتواجد فيها الإنكليز في عدن، حين كانت المدينة مقصدا للناس من مختلف الجنسيات والأديان واللغات، والدليل على ذلك بناء الكنائس والمعابد المسيحية واليهودية والهندوسية إلى جانب المساجد والقباب والأضرحة الإسلامية.

وخرج الإنكليز من مدينة عدن سنة 1967، بعد احتلال دام أكثر من 129 عاما، تطبع فيها المجتمع العدني بكثير من الطباع الإنكليزية.

ويقول الباحث بلال إن “السلطات التي حكمت عدن بعد الاستقلال المزعوم قضت على هذا التعايش، وكثير من أتباع الديانات الأخرى غادروها وتعرضت ممتلكاتهم العامة والخاصة للمصادرة والتأميم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تصارع الثوار فيما بينهم ولم يقبل أي فصيل بالفصيل الآخر رغم ما يجمعهم من قواسم مشتركة كثيرة، ومن ثمة لم يعد هناك أي أثر للتعايش”.

وبنى المسيحيون في القرنين التاسع عشر والعشرين إبان الاحتلال الإنكليزي، عددا من الكنائس، منها كنيسة “سانت أنتوني”، ولا تزال قائمة حتى اليوم في منطقة التواهي “جنوب غرب عدن”، وتمارس شعائرها الدينية أسبوعيا، كما تقدم الكنيسة بعض الخدمات الصحية للمرضى بشكل مجاني.

ويقول القائمون على الكنيسة إنها بنيت عام 1863 لتكون حامية للقوات البريطانية في عدن، وكانت الملكة فكتوريا ممن تبرعوا لبنائها. وظلت تقوم بمهامها حتى العام 1970، بعد ثلاث سنوات من الانسحاب البريطاني في عام 1967، حين استولت الحكومة في جنوب اليمن على المبنى، وتم استخدامه ليكون بمثابة مرفق تخزين حكومي، ثم صالة للألعاب الرياضية في وقت لاحق، حتى إعادة توحيد شمال اليمن وجنوبه عام 1990.

وجاء في الموقع الإلكتروني للكنيسة، أنه من عام 1987 حتى عام 1993 كان أسقف قبرص والخليج “جون براون” يجري مفاوضات مع حكومة جنوب اليمن، وبعد ذلك حكومة اليمن الموحدة، لإعادة الكنيسة إلى الأبرشية، وتم الاتفاق على أن تقوم الكنيسة ببناء عيادة طبية للأمهات والأطفال وتمويلها وتشغيلها.

كنائس أخرى باليمن لا تزال قائمة، ولكن تحولت إلى مرافق تتبع الحكومة، منها كنيسة “سانت ماري جاريسن” والتي بدأ بناؤها عام 1867، على تلة جبل في منطقة كريتر وسط عدن، واستخدم المبنى في الفترة الأخيرة منذ خمسينات القرن الماضي مقرا للمجلس التشريعي “البرلمان”، ولا يزال قائما لكنه الآن مغلق.

موكب احتفالي لطائفة البهرة في اليمن

وكذلك كنيسة “سانت جوسيف” وهي من أقدم الكنائس، في عدن، إذ تم بناؤها عام 1850، في منطقة كريتر أيضا، وتتبع البعثة الكاثوليكية الرومانية، وقد تحول جزء منها في السنوات الأخيرة إلى مدرسة. كما تم بناء عدد من الكنائس في الفترة الزمنية نفسها لكنها لم تكن بأهمية الكنائس المذكورة سابقا، ومن هذه الكنائس كنيسة سانت أندروز، القريبة من مطار عدن وقاعدة الطيران الملكي البريطاني في منطقة خورمكسر.

وعن الكنائس التي لا تزال تقام فيها الصلوات حتى الوقت الحالي، قال بلال، “كنيسة البادري الموجودة في كريتر (أحد أحياء المدينة الشهيرة) تؤدى فيها بعض الصلوات، أما كنيسة راس مربط بالتواهي (حي شهير في المدينة) فلا تزال الصلوات فيها منتظمة بشكل طبيعي، إلى جانب العمل المستمر في العيادة الطبية”.

ويتواجد في مدينة عدن عدد من الأسر ذات الأصول الهندية التي تزاوجت مع يمنيين وكونت عائلات كبيرة، وعائلات من طوائف عديدة.

ويقول قاسم حُميدي (65 عاما)، وهو موظف حكومي متقاعد، “عدن شكلت حالة فريدة في تعايش أبنائها مع بعضهم رغم تفاوت أجناسهم واختلاف معتقداتهم”.

ويروي حميدي أنه لم يشهد في حياته في المدينة توترا أمنيا أو سياسيا على أساس ديني أو عرقي باستثناء مصادمات الثورة ضد الاستعمار البريطاني التي كانت موجهة بدرجة رئيسية إلى قوات الجيش ومراكز الاحتلال المهمة.

ويضيف: “التنوع والتعايش بين مكونات عدن بقيا على حالهما باستثناء رحيل من كانوا ضمن السلطات البريطانية أو اليهود الذين غادروا اليمن عام 1948 بعد الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، أما من استقروا في عدن فقد صاروا جزءا لا يتجزأ منها بغض النظر عن أصولهم وجنسياتهم”.

 

أجراس الموت في اليمن

 

وقع أمس الأول الخميس، هجومان إرهابيان، استهدف الأول جنود الجيش في جنوب شرق البلاد ليوقع 19 قتيلا و13 جريحا، واستهدف الثاني تجمعا للحوثيين الشيعة قتل منهم قرابة خمسين شخصا، وجرح أكثر من 100 شخص، والحادثان يحملان بصمة القاعدة وتنظيمها المحلي المعروف باسم “أنصار الشريعة”،

مع أن الحرب متواصلة بين القوات الحكومية و القاعدة، لم تبد حادثة استهداف الجنود جديدة رغم مرارتها وفاجعتها، لكن استهداف الشيعة من قبل القاعدة هو ما يثير المخاوف من نشوب حرب طائفية، خاصة بعد سيطرة الميليشيا المسلحة التابعة للحوثيين على صنعاء وبدعم واضح وجلي من إيران بالمال والسلاح والخبراء.

القاعدة وفي أكثر من بيان هددت الحوثيين بعد سيطرتهم على صنعاء بعمليات مفاجئة، ومرجعيات إيرانية عديدة رأت في سقوط عاصمة اليمن في قبضة الحوثيين سقوطا لرابع عاصمة عربية في أيديهم، (بعد بغداد ودمشق وبيروت)، ومن خلال تعليقات الطرفين (القاعدة وإيران) يتبين أن اليمن سيدفع ثمن حرب قادمة، إن لم يعمل من بقي من عقلائه على تفاديها، لأن القاعدة بالتأكيد لها وجود فعلي وتمكنت في الفترة الماضية من توجيه ضربات قوية تستهدف الدولة وجيشها واقتصادها وأمنها واستقرارها، اعتمادا على ضعف الحكومة وهشاشة البنية الأمنية والعسكرية، وبالتالي فإن سيطرة ميليشيا طائفية مسلحة على مراكز القرار والتأثير السياسي والاجتماعي ستشكل أرضية مناسبة وخصبة لأعمال القاعدة، وفي العراق وسوريا خير دليل.

اليمنيون أمام خيارات عديدة جميعها صعبة.

الأمن على المحك، و الاستقرار على كف عفريت، والسلم الأهلي ربما يغدو حلما بعيد المنال في ظل التحريض والشحن الطائفي من كلا الجانبين، ناهيك عن توفير مسلحي الحوثي بيئة مناسبة بأعمالهم الاستفزازية التي تجاوزت الحدود المحظورة و الخطوط الحمراء.

الظروف التي قادت المسلحين الشيعة إلى صنعاء لم تكن يوما طبيعية ولا منطقية، لأنها اعتمدت خيار السلاح والقتل و التفجيرات منذ خروجها من معاقلها في شمال الشمال اليمني، مرورا بعدة محافظات وانتهاء بالعاصمة صنعاء، وربما لا تزال شهيتهم مفتوحة لإثارة المشاكل في مناطق الوسط و الجنوب، التي تعد معاقل سنية (شافعية) مغلقة لم يتمكن الأئمة الشيعة من الوصول إليها حتى وهم في أوج قوتهم وسطوتهم في القرون الماضية.

العملية التي نفذتها القاعدة في صفوف الحوثيين تفتح بابا جديدا للصراع الطائفي المخيف والحرب الأهلية المرتقبة، ولم يعد هناك أي رهان على الدولة العاجزة الضعيفة التي استسلمت في غضون ساعات وسلمت مقرات الحكومة لعناصر الميليشيا, كما لم يعد اليمنيون يراهنون على أي دور خارجي من المجتمع الإقليمي والدولي الذي أثبت تواطأه وعجزه منذ ثلاث سنوات تاركا اليمن يعاني المشاكل والتحديات الأمنية والسياسية و المعيشية دون أن يقوم بدور إيجابي أو يفي بتعهداته على الأقل باستثناء تصريحات دبلوماسية لا تسمن ولا تغني.

حاليا لا أحد يراهن على الرئيس المحاصر في مقر إقامته، و لا على الجيش الذي انهارت معنويات منتسبيه إلى الحضيض، و لا على الأحزاب التي عجزت عن التعبير عن موقف واضح ومعلن من سقوط دولة بأكملها في قبضة الميليشيا خوفا من تلك الميليشيا التي لم تتورع عن فعل أي عمل دنيء وغير أخلاقي، سيما وقد تصور بعضهم وهم في غرف نوم خصومهم في سابقة لم يعرفها اليمنيون من قبل.

اللهم احفظ اليمن سالما وآمنا..

ذكرى مدينة

 

 

في الليل إذ ترسو المدينة

 فوق أرصفة الغروبْ

و تنام أحلامٌ و تصحو غيرها

مبتلةً بالشوق – بادر صحوك الآتي

و يمم شطر فجرك قبل أن يأتي

فتذروه الرياح و يطفئ النسيان جذوته

و يُصلب حلمُك الذاوي على جذعٍ الهروبْ

لملم شتات الضوء قبل أفوله

و احضن صدى همسات حبٍ عابرٍ

و حبيبةٍ عبرت و ما برحت تقاسمك الوعود

 بأن تئوب- و لا تئوبْ

في الليل إذ تأتيك أطيافٌ من الذكرى-

 تذكّرْ وجه صوتك حين باغتـَك السؤالْ:

“أو َ كلّ من نادمتـَهم تركوك

و ارتحلوا تباعا كالخيالْ”؟

لا تنس كيف بكيت حين علمت أن أباك غادَرَ مثلهم،

 هل قبلهم- أو بعدهم؟

 لا فرق في التوقيت

ما دامت حصيلة حزنك الأزليّ لا تبغي الزوالْ

لا فرق في الأيام و السنوات حين تمر

 و الغرباء يفترشون أرض مدينةٍ

غادرتـَها طفلا تطوف مدائن الدنيا

و تحمل حبها الأبديّ في عينيك،

 في خفق الفؤاد كلوحةٍ ترنو لها،

 كقصيدةٍ تشدو بها،

 و تظل تسأل في شرودْ:

أمي الحبيبة هل نعودْ؟

أمي متى سنعانق البيت الذي عشنا به

 أو عاش فينا؟

هل نرى تلك الشوارع و الأزقة من جديدْ؟

هل لا يزال بوسعنا أن نستظل بفيء أشجارٍ ألفنا ظلها

قبل اشتعال النار و البارود في ليل الحروبْ

19 أكتوبر2012م

 

النقش بالحناء.. نشاط يزدهر في اليمن أيام العيد

 

 

 133

 

فؤاد مسعد- اليمن

 

تقرير نشرته وكالة الأناضول في العيد الماضي

النقش بالحناء من أكثر الأعمال رواجا لدى النساء في اليمن، خصوصا في أيام عيدي الفطر و الأضحى و حفلات الزواج، و لأهميته فإن إحدى ليالي العرس اليمني يطلق عليها “ليلة الحناء”.

 

و تقوم المرأة بنقش أطراف اليدين و الرجلين بمادة الحناء، و هي عبارة عن عجينة بُنّـية اللون يتم استخلاصها من طحن وريقات شجرة الحناء الموجودة في بعض المناطق اليمنية.

وفقا لـ”هند29 سنة” الخبيرة في نقش الحناء فقد كانت عجينة الحناء توضع في راحة اليد و الأصابع بدون الاهتمام بمظهرها الخارجي، كما أن بمقدور أي أم أو فتاة تحضير الحناء و تزيين نفسها و غيرها به دون الحاجة لمهارة خاصة في ذلك، أما في الوقت الحاضر فقد بات هذا العمل في الغالب حكرا على نساء و فتيات ماهرات في تحضيره و استخدامه بمهارة و إتقان ليظهر على شكل نقشات و رسومات جميلة،

 مشيرة إلى أن بعض خبيرات النقش يستفدن من تقنية الإنترنت في الحصول على أشكال و تصميمات جديدة.

و تضيف هند التي تستقبل عميلاتها في منزلها بمدينة عدن (جنوب اليمن) إن الإقبال عليها يزداد في أيام الأعياد و خلال مناسبات الزواج،

و في حديثها لمراسل الأناضول تقول إن النقش بالحناء انتقل من كونه عملا تقليديا داخل المنازل، و أصبح ضمن أعمال الزينة و التجميل التي تختص بها محلات الكوافير الخاصة بتجميل النساء أو لدى نساء يقمن بهذا العمل بجودة عالية ترضي أذواق العميلات و بسرعة تناسب الإقبال المتزايد خاصة في الأيام التي تسبق حلول العيد،

و عن أسعار النقشات تقول “هند” إن النقش العادي يتراوح بين ألف و ثلاثة آلاف ريال( تعادل 5 و 15 دولار)، أما النقش الخاص و يتطلب جودة عالية و اهتمام خاص فيصل أحيانا إلى خمسة عشر ألف ريال(75 دولار).

من جهتها تقول “أم أمين” ربة بيت إنها تهتم بالنقش بالحناء بالطريقة الحديثة لكن بالاعتماد على نفسها، حيث تقوم بشراء مادة الحناء الجاهزة للنقش مع نوع خاص من الأوراق التي رسم عليها أشكال جميلة مختلفة، و لا يقتصر قيامها بذلك على الأعياد و الأعراس فقط،

و تقول لمراسل الأناضول إن هذه النقشات الجاهزة التي تنجز بسهولة و سرعة توفر على النساء الوقت و الجهد و مشقة الذهاب إلى محلات الكوافير أو خبيرات النقش و ما يكلف من مقابل مادي،

لكنّ “أروى” الموظفة في مؤسسة حكومية بعدن تقول إنها تخصص جزءا من وقتها فور بدء إجازة العيد للذهاب إلى صديقتها الماهرة في تصميم و نقش الحناء،

و في حديثها لمراسل الأناضول تشير إلى أنها بحكم عملها الوظيفي تكتفي بذلك في مواسم الأعياد باستثناء بعض المناسبات الخاصة.

و تذكر إن العادات الاجتماعية المتوارثة في كثير من المناطق اليمنية تحصر الزينة و منها النقش بالحناء للفتيات غير المتزوجات بباطن الكف دون ظاهرها، و بحكم هذه العادات فإن المرأة المتزوجة في حال غياب زوجها لا يجوز لها الظهور بأي شكل من أشكال الزينة.(الاناضول)

اليمن يحتفل بذكرى ثورة جريحة

 

 

 

 

999

مقالي في موقع رأي اليوم  

صادف الجمعة الذكرى الـ52 لثورة سبتمبر/أيلول 1962م التي أسقطت الحكم الملكي الإمامي المسيطر على اليمن منذ الف ومائة عام،

ويبدو الاحتفال هذا العام مختلفا عن الأعوام السابقة- وربما اللاحقة- بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن، فقبل أربعة أيام سيطرت جماعة الحوثي الشيعية المسلحة على أغلب مراكز ومؤسسات الدولة السيادية والعسكرية والأمنية و التعليمية و الصحية، واستولت على السلاح الثقيل بعد اقتحام المعسكرات المرابطة حول وداخل العاصمة صنعاء.

ولجماعة الحوثي التي تطلق على نفسها “أنصار الله”، صلة ارتباط فكري ومذهبي وأسري بالسلالة التي حكمت اليمن قبل الثورة، كما أن الجماعة نفسها لم تقبل الانخراط بشكل واضح في العملية السياسية، ولا تزال ترى في المواجهات المسلحة طريقها الوحيد لإثبات وجودها رغم أنها شاركت في مؤتمر الحوار الوطني الذي استمر عشرة أشهر وانتهى مطلع العام الجاري، وهو ما يثير مخاوف اليمنيين خاصة مع توارد الأدلة والقرائن التي تثبت ضلوع إيران في دعم الجماعة بالمال والسلاح، وصرح بهذا رئيس الجمهورية وكبار مسئولي الدولة أكثر من مرة.

وتعززت المخاوف والقلق بصورة أكبر حينما باشر الحوثيون اقتحام المنازل والمؤسسات العامة والخاصة ونهب بعض محتوياتها تارة بحجة محاربة القاعدة وتارة بحجة البحث عن مطلوبين للعدالة! والعدالة هذه لا صلة لها بالدولة وأجهزتها القضائية ومؤسساتها الامنية، ولكن عبدالملك الحوثي زعيم الجماعة حدد من هم المطلوبون للعدالة وبالتالي فإن عناصره مطالبة بالبحث عنهم تمهيدا لمحاكمتهم من قبل الجماعة نفسها.

جاء الاحتفال اليوم مشوبا بالخوف على مصير الثورة في ظل سيطرة من يفترض أن الثورة قامت عليهم، وما شهدته هذه الذكرى لم يكن سوى شكليات افترضتها الضرورة لا أكثر، والدليل انه تم الاحتفال رسميا في قاعة مغلقة تتبع وزارة الدفاع، لم تسلم من اقتحام الحوثيين والتقاط بعض عناصرهم صورا تذكارية وهم يجلسون على كراسي الوزارة وكبار قادة الجيش.

ورغم ان الحوثيين حاولوا أن يطمئنوا المجتمع المحلي أن سيطرتهم لا تشكل خطرا على الثورة، إن لم تكن امتدادا لها، لكن اليمنيين يدركون كيف تدير الجماعة المناطق الواقعة تحت سيطرتها بطرق بالغة القسوة تعبر عن عقليات ميليشياوية لا تأبه بالحياة العامة بقدر تركيزها على توسيع مناطق نفوذها بالحروب والصراعات التي بدأتها قبل عشرة أعوام في حدود منطقة تواجدهم في أحد أرياف محافظة صعدة.

يشعر اليمنيون- ومعهم كثير من الحقائق تعزز شعورهم– أن الحكومة المزمع تشكيلها قريبا ستكون صورية في ظل سيطرة جماعة مسلحة على القرار، والأحزاب التي عجزت عن إصدار بيان يدين ما أقدمت عليه الجماعة ذاتها لن يكون لها تأثير في المرحلة الراهنة، كما أن الكتاب والنشطاء والإعلاميين يتعرضون يوميا لانتهاكات واعتداءات وصلت حد مهاجمة منازلهم ونهبها والاستيلاء على المؤسسات الإعلامية، وتهديد المخالفين وترويع المواطنين، بل ومنازعة أجهزة الحكومة في القيام بدورها، حيث بات المسلحون الحوثيون هم من ينظم حركة المرور ويفتشون المارة، وبين من يخضعون للتفتيش مسئولون كبار وضباط وجنود في الأمن والجيش، كما منحت الجماعة نفسها حق تفتيش الطائرات والمسافرين على متنها الأمر الذي أزعج بعض شركات الطيران ودفعها لإيقاف حركتها من وإلى مطار صنعاء.

يحتفل اليمنيون اليوم بذكرى ثورة جريحة بعد خمسين عاما على انطلاقها، ويخشون عودة الماضي بكل مساوئه، خاصة وأن مؤسسات الدولة صارت تحت قبضة الميليشيا الطائفية، لقد فقد اليمنيون الأمل بالدولة وأمنها وجيشها بعد ما شاهدوا سقوطها المدوي، كما لم يعد لدى أغلب اليمنيين أي ثقة بما يمكن أن يقدمه المجتمع الدولي الذي ظل يهدد ويتوعد من يعرقلون الانتقال  السلمي في اليمن ويهددون السلم والأمن، لكنه صمت صمت القبور إزاء تمدد المسلحين وتوسعهم وسيطرتهم على محافظات بالكامل، وهو ما أغراهم وجعلهم يتوسعون في أكثر من مكان حتى تمكنوا الأحد الماضي من إحكام سيطرتهم على العاصمة صنعاء ومعسكرات الجيش وعدد من الوزارات المهمة والمؤسسات الكبرى.

 ينتظر اليمنيون معجزة تخلصهم مما آلت إليه الأوضاع، ولا شيء سيكبح جماع الميليشيا المنتشية بتحقيق نصرها العظيم كما تزعم، توجد الآن حالة رفض مجتمعي يمكن لها أن تتبلور في كيان سياسي يجمع القوى الرافضة لهيمنة السلاح، ويعمل على العودة إلى جادة العمل السياسي السلمي، وتحقيق ما يصبو إليه اليمنيون.