فؤاد مسعد- عدن
مدينة عدن لا تزال إلى اليوم تحافظ على مكانتها التاريخية كموطن ضم مكونات اجتماعية ودينية وفكرية متنوعة، والوحيدة التي مازالت تحتفظ بكنائس.
تقرير نشرته وكالة الأناضول عن التعايش الديني في عدن اليمنية
حافظت مدينة عدن اليمنية، جنوبي البلاد، على مكانتها التاريخية كموطن للتنوع ضم مكونات اجتماعية ودينية وفكرية، وبعد أكثر من عقدين على رحيل الاحتلال الإنكليزي منها، إلا أن المدينة الملقبة بـ” ثغر اليمن الباسم” تعد المحافظة اليمنية الوحيدة التي مازالت تحتفظ بكنائس حتى الوقت الحاضر.
ساهم موقع مدينة عدن اليمنية الجغرافي المطل على واحد من أهم الممرات المائية الدولية، والأحداث والوقائع التاريخية التي شهدتها في الماضي، وأبرزها الاحتلال البريطاني الذي استمر زهاء 129 سنة، في تنوعها واختلافها عن سائر المدن اليمنية الأخرى، حيث جمعت المدينة التي لقبت بـ” ثغر اليمن الباسم” بين مكونات اجتماعية ودينية وفكرية مختلفة.
|
وتذكر المصادر التاريخية، أن الآلاف توافدوا، خلال فترة الاحتلال البريطاني (1839-1967)، إلى عدن من دول وقارات عديدة، واستقبلت المدينة هجرات متنوعة، بعضها كان بدعم من السلطات البريطانية الحاكمة بهدف التأثير على التركيبة السكانية التي كان العنصر العربي واليمني خاصة هو الغالب عليها.
ولا تزال شواهد هذا التنوع قائمة حتى اليوم، منها كنائس المسيحيين، وإن كانت غالبيتها لم تعد تؤدي المهام التي وجدت من أجلها، باستثناء البعض، حسب مؤرخين.
ويقول بلال غلام حسين، الباحث المتخصص في تاريخ عدن، إن عدن من ضمن مدن قليلة على مستوى العالم عرفت التعايش الإنساني بين كل الكيانات الإنسانية وثقافة القبول بالآخر، وانتشار التسامح الديني بين مواطنيها.
|
وخرج الإنكليز من مدينة عدن سنة 1967، بعد احتلال دام أكثر من 129 عاما، تطبع فيها المجتمع العدني بكثير من الطباع الإنكليزية.
وبنى المسيحيون في القرنين التاسع عشر والعشرين إبان الاحتلال الإنكليزي، عددا من الكنائس، منها كنيسة “سانت أنتوني”، ولا تزال قائمة حتى اليوم في منطقة التواهي “جنوب غرب عدن”، وتمارس شعائرها الدينية أسبوعيا، كما تقدم الكنيسة بعض الخدمات الصحية للمرضى بشكل مجاني.
ويقول القائمون على الكنيسة إنها بنيت عام 1863 لتكون حامية للقوات البريطانية في عدن، وكانت الملكة فكتوريا ممن تبرعوا لبنائها. وظلت تقوم بمهامها حتى العام 1970، بعد ثلاث سنوات من الانسحاب البريطاني في عام 1967، حين استولت الحكومة في جنوب اليمن على المبنى، وتم استخدامه ليكون بمثابة مرفق تخزين حكومي، ثم صالة للألعاب الرياضية في وقت لاحق، حتى إعادة توحيد شمال اليمن وجنوبه عام 1990.
وجاء في الموقع الإلكتروني للكنيسة، أنه من عام 1987 حتى عام 1993 كان أسقف قبرص والخليج “جون براون” يجري مفاوضات مع حكومة جنوب اليمن، وبعد ذلك حكومة اليمن الموحدة، لإعادة الكنيسة إلى الأبرشية، وتم الاتفاق على أن تقوم الكنيسة ببناء عيادة طبية للأمهات والأطفال وتمويلها وتشغيلها.
كنائس أخرى باليمن لا تزال قائمة، ولكن تحولت إلى مرافق تتبع الحكومة، منها كنيسة “سانت ماري جاريسن” والتي بدأ بناؤها عام 1867، على تلة جبل في منطقة كريتر وسط عدن، واستخدم المبنى في الفترة الأخيرة منذ خمسينات القرن الماضي مقرا للمجلس التشريعي “البرلمان”، ولا يزال قائما لكنه الآن مغلق.
|
وكذلك كنيسة “سانت جوسيف” وهي من أقدم الكنائس، في عدن، إذ تم بناؤها عام 1850، في منطقة كريتر أيضا، وتتبع البعثة الكاثوليكية الرومانية، وقد تحول جزء منها في السنوات الأخيرة إلى مدرسة. كما تم بناء عدد من الكنائس في الفترة الزمنية نفسها لكنها لم تكن بأهمية الكنائس المذكورة سابقا، ومن هذه الكنائس كنيسة سانت أندروز، القريبة من مطار عدن وقاعدة الطيران الملكي البريطاني في منطقة خورمكسر.
وعن الكنائس التي لا تزال تقام فيها الصلوات حتى الوقت الحالي، قال بلال، “كنيسة البادري الموجودة في كريتر (أحد أحياء المدينة الشهيرة) تؤدى فيها بعض الصلوات، أما كنيسة راس مربط بالتواهي (حي شهير في المدينة) فلا تزال الصلوات فيها منتظمة بشكل طبيعي، إلى جانب العمل المستمر في العيادة الطبية”.
ويتواجد في مدينة عدن عدد من الأسر ذات الأصول الهندية التي تزاوجت مع يمنيين وكونت عائلات كبيرة، وعائلات من طوائف عديدة.
ويقول قاسم حُميدي (65 عاما)، وهو موظف حكومي متقاعد، “عدن شكلت حالة فريدة في تعايش أبنائها مع بعضهم رغم تفاوت أجناسهم واختلاف معتقداتهم”.
ويروي حميدي أنه لم يشهد في حياته في المدينة توترا أمنيا أو سياسيا على أساس ديني أو عرقي باستثناء مصادمات الثورة ضد الاستعمار البريطاني التي كانت موجهة بدرجة رئيسية إلى قوات الجيش ومراكز الاحتلال المهمة.
ويضيف: “التنوع والتعايش بين مكونات عدن بقيا على حالهما باستثناء رحيل من كانوا ضمن السلطات البريطانية أو اليهود الذين غادروا اليمن عام 1948 بعد الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، أما من استقروا في عدن فقد صاروا جزءا لا يتجزأ منها بغض النظر عن أصولهم وجنسياتهم”.