تركة الرئيس المقتول في اليمن

يعرف حزب المؤتمر الشعبي العام بأنه “حزب السلطة” أو حزب الحاكم، منذ تأسيسه في أغسطس/آب 1982، برئاسة علي صالح، رئيس اليمن في الفترة (1978 – 2011)، وارتبط بالدولة نتيجة استخدامه كمظلة للمنتفعين والباحثين عن المنصب والوظيفة العامة والامتيازات والمنح والحظوة، الأمر الذي أغرى كثيراً من المسؤولين والسياسيين والعسكر وشيوخ القبائل والتجار بالانخراط في المؤتمر الذي لم يعرف تأطيراً تنظيمياً ولا مضامين أيديولوجية كبقية الأحزاب.

عاد مؤخراً إلى الواجهة بعد أحداث ديسمبر/كانون الأول الماضي حين أعلن زعيمه صالح الانتفاضة ضد حلفائه “الحوثيين”، في خطاب تلفزيوني في الثاني من ديسمبر، وفض الاستمرار في الشراكة مع الحوثيين التي جمعت الطرفين في انقلاب عام 2014، نشبت مواجهات عسكرية خاطفة خلال ثلاثة أيام انتهت بمقتل علي صالح على يد المسلحين الحوثيين، ليطرح السؤال: أين سيذهب المؤتمر الشعبي الذي كان صالح يقوده؟

وهذه ليست الهزة الأولى التي يتعرض لها حزب صالح، فقد سبقته انشقاقات وانهيارات متفاوتة في السنوات الأخيرة، كان أبرزها إبان اندلاع الثورة الشعبية بداية عام 2011 حين أعلنت قيادات سياسية وعسكرية وكبار رجالات الدولة والحزب انشقاقهم وتأييدهم للثورة، خاصة بعد مقتل عشرات المحتجين برصاص جنود الأمن في عدد من شوارع العاصمة صنعاء، فيما عرف يومها بـ”جمعة الكرامة”، منتصف مارس/آذار من العام نفسه.

توالت الانشقاقات في صفوف المؤتمر، وصولاً إلى سبتمبر/أيلول 2014 عندما بسطت جماعة الحوثي المسلحة سيطرتها على العاصمة صنعاء وسعيها لإحكام السيطرة على بقية المحافظات بدعم وإسناد أتباع صالح وبقايا “الدولة العميقة” التي مهدت للحوثيين وسهّلت سيطرتهم على العاصمة واستيلاءهم على المعسكرات والأسلحة والوزارات والمؤسسات العامة والخاصة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه صدر قرار مجلس الأمن الذي أدرج اسم صالح ونجله أحمد مع ثلاثة من قادة جماعة الحوثي ضمن قائمة العقوبات الدولية؛ ليعلن المؤتمر الشعبي العام على الفور فصل رئيس الجمهورية الجديد عبدربه منصور هادي من المؤتمر رغم كونه نائب صالح في قيادة الحزب كما هو نائبه لقرابة عشرين سنة في رئاسة الجمهورية.

ومن هنا انقسم المؤتمر الشعبي إلى جناحين: الأول داعم للحوثيين ويرأسه صالح نفسه، والثاني يناهض انقلاب الحوثيين وصالح ويدعم شرعية الرئيس هادي المعترف بها دولياً، وظل كل جناح يدعي تمثيل المؤتمر ويتهم الآخر بعدم الشرعية.

وظل جناح هادي يتوسع بفعل الاستقطاب الذي طال العشرات من قيادات المؤتمر المحيطة بصالح، بينما أخذ جناح صالح يتناقص ليس بسبب مغادرة قطاع كبير إلى جناح الشرعية فقط، بل بفعل الاستقطاب الذي مارسته جماعة الحوثي لدى أتباع صالح بالترغيب مرة والترهيب والتهديد مرات أخرى.
كان صالح يحتفظ بجزء مهم من القوة المادية والبشرية في صنعاء وخارجها، بيد أن انطلاق عاصفة الحزم وتدخل التحالف العربي بقيادة المملكة
العربية السعودية في الحرب بهدف إنهاء الانقلاب الحوثي، منح الأخير فرصة الإجهاز على ما تبقى في يد حليفها اللدود من أسلحة نوعية مهمة ووحدات عسكرية قوية، فيما اكتفى صالح وأنصاره بالدعوات الموسمية للاحتشاد وإظهار شعبيته أمام حلفائه الذين بدا أن كلاً منهما يتربص بالآخر، وتحت وهم القوة التي كان صالح يظنها معه أعلن انفراط التحالف الانقلابي، ودعا اليمنيين لمواجهة الحوثيين حفاظاً على الجمهورية والثورة والدولة، بينما كانت مجموعات مسلحة من الحوثيين تلاحق أنصار صالح من منزل إلى آخر، وصولاً إلى اقتحام منزل صالح واغتياله وتسريب صور وفيديو للحادثة التي ما زال كثير من ملابساتها مجهولاً.

عودة للسؤال: أين سيذهب المؤتمريون الذين يدينون بالولاء لصالح؟
هل يلتحقون بجماعة الحوثي التي قتلت زعيمهم نكاية بالشرعية التي ظل صالح يناصبها العداء ويتآمر عليها؟ أم أنهم سيعلنون اعترافهم بشرعية هادي نكاية بحليفهم الحوثي الذي لم يتورع عن تصفية صالح بدم بارد؟

في الحقيقة أن الجواب يمكن أن يأتي على شاكلة أن المؤتمر سينقسم مرة أخرى بين من يلوذ بالشرعية ومن يرتمي لدى الحوثيين.. خاصة أن محاولات بذلت ولا تزال من هنا وهناك للظفر بتركة الرجل الميت (صالح طبعا)، إذ يحرص الحوثيون على الظفر بهذه التركة أو بالغالبية منها على الأقل طمعاً في إيجاد غطاء سياسي لانقلابهم، وهو الغطاء الذي ظل صالح وحزبه يوفرانه للحوثيين، وتحرص الحكومة الشرعية على لملمة شتات المؤتمر تحت لافتة الشرعية التي يمثلها الرئيس هادي وحكومته التي يقودها الدكتور أحمد عبيد بن دغر.. وهما من أبرز قيادات المؤتمر بعد صالح.

وهو ما بدت شواهده بوضوح أولاً بإعلان فصيل مؤتمري تحت عباءة الحوثي في العاصمة صنعاء يتبنى خطاب الانقلاب الحوثي ويتجاهل الأحداث التي أفضت إلى مقتل صالح، وهروب عدد من القيادات إلى مناطق سيطرة الشرعية وتأكيدها على دعم الشرعية ومواجهة الانقلابيين الحوثيين، وسيكون هؤلاء مسنودين بطبيعة الحال بالمؤتمر الشعبي المؤيد للشرعية، ما يعني أن كفّته ستكون الراجحة مقارنة بمن بقي تحت وطأة الحوثي.
غير أن هناك فصيلاً ثالثاً يناصب الحوثيين العداء، لكنه لا يعترف بالشرعية، وبالتالي يمكن اعتبار موقفهم في منزلة بين منزلتين، وهؤلاء يحاولون تقديم أنفسهم باعتبارهم الورثة الشرعيين لصالح وللمؤتمر الشعبي، وأغلبهم موجودون خارج البلاد.

بيد أن محاولات استمالتهم من الحوثي ومن الحكومة الشرعية سوف تستمر، ومهما بدا خطابهم مستقلاً ومنفصلاً عن كلا التيارين، لكنه لن يلبث حتى يجد نفسه في أحد خيارين؛ إما الانقلاب، وإما الشرعية والبقية تفاصيل.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *