حروب ترامب هل تبدأ من اليمن؟

 

 

أدرجت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليمن ضمن الدول الممنوع مواطنيها من دخول الولايات المتحدة، وباشرت قوة أمريكية انزالا مظليا مصحوبا بقصف جوي عنيف على مواقع يمنية يشتبه وجود مسلحي تنظيم القاعدة فيها في الأيام الأولى لتولي ترامب رئاسة أميركا.

وفي سياق المواجهات الكلامية بين واشنطن وطهران حضرت اليمن بوصفها مجالا للتهديد والتهديد المضاد، وبدا أن التصعيد لدى الطرفين يستدعي اليمن كميدان مناسب لاستعراض قوة كل منهما، (خاصة في سواحل اليمن الغربية ومضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية على المستوى الدولي).

لم تكتف الإدارة الأمريكية الحالية بما دأبت عليه الإدارات السابقة من غارات لطائرات الدرونز على مواقع تنظيم القاعدة، ولكنها على ما يبدو قررت تكثيف غاراتها على مناطق وجود التنظيم بشكل غير مسبوق، وعلى الاقل هذا ما كشفته غارات أواخر الشهر الماضي ومطلع الشهر الجاري، في ثلاث محافظات يمنية.

مما سبق هل يمكن القول أن حروب (الجمهوري) ترامب ستبدأ من اليمن، إن لم تكن قد بدأت فعلا، بالنظر إلى تاريخ الجمهوريين المثخن بالحروب، وآخر تجليات الحروب التي قادها الجمهوريان بوش الأب وبوش الابن  لا زالت ظاهرة في العراق وأفغانستان.

 وإن كان وجود تنظيم القاعدة، وربما داعش مبررا قويا لشن حرب لا هوادة فيها، في سياق الحرب على الإرهاب، فإن اليمن أيضا غدا مسرحا آخر للحرب الإقليمية التي تقف جمهورية إيران على رأس أحد طرفيها، وتقف دول الخليج العربي ودول عربية وإسلامية أخرى بقيادة المملكة العربية السعودية في الطرف الآخر من الحرب التي تعيشها اليمن منذ قرابة عامين.

تغيرات كثيرة طرأت على المشهد السياسي والعسكري في اليمن والمنطقة مع تولي ترامب الرئاسة، وأكدت إدارته أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة أنها لن تتوانى في حربها على الإرهاب، كما ولن تتوانى في مواجهة إيران، وقال دونالد ترامب في هذا السياق: على الايرانيين أن يشكروا أوباما لأنه كان لطيفا معهم، في إشارة إلى أن إدارته لن تتعامل مع إيران بنفس المستوى من اللطف الذي تعاملت به إدارة سلفه باراك اوباما.

أبرز التغيرات التي شهدتها المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية تجلى في الموقف الإيراني الذي كان أكثر تصلبا في مواجهة خصومها الإقليميين والدوليين، لكنه بات أقل عدوانية، إذ كشفت زيارتا الرئيس الإيراني لدولة الكويت وسلطنة عمان الشهر الماضي عن رغبة طهران في تسوية خلافاتها مع دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية بالحوار، مع وجود تلميحات بإمكانية تخلي طهران عن حلفائها الحوثيين في اليمن، وهم الذين يخوضون حربا متواصلة في أكثر من نصف محافظات البلاد في مواجهة السلطات الشرعية مستفيدة من الدعم الإيراني الذي يشمل التسليح والتدريب، فيما تقف السعودية على رأس (التحالف العربي) إلى جانب الحكومة الشرعية.

مع أن التحول في موقف طهران لم يسفر عنه شيء عملي وملحوظ في مشهد الحرب اليمنية حتى الآن على الأقل، إلا أنه يبقى مؤشرا على إمكانية الاقتراب من الحل السياسي والتسوية اليمنية وفقا لهذا المتغير الذي يترتب عليه بطبيعة الحال عزل جماعة الحوثي عن الظهير الدولي الوحيد لها، وتركها منفردة تواجه مصيرها استنادا إلى معطيات محلية وإقليمية ودولية، مع الأخذ بعين الاعتبار إلى المرجعيات الأساسية لأي حل سياسي يوقف الحرب والصراع ويقود البلد إلى استئناف الحوار علىّ قاعدة تلك المرجعيات التي تشمل المبادرة الخليجية لانتقال السلطة (2011)، ونتائج وتوصيات مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2014)، والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة وعلى رأسها القرار 2216 (2015)، وهو القرار الذي يلزم الحوثيين بالخروج من المحافظات والمناطق التي اجتاحوها بقوة السلاح، ويلزمهم أيضا بإعادة الأسلحة التي نهبوها من مخازن الجيش والأمن عقب اقتحامهم العاصمة صنعاء والسيطرة على مؤسسات الدولة.

وبالنسبة للموقف الأمريكي فهو لا يفتأ يحث على العودة إلى طاولة الحوار وعدم الاعتماد على المواجهات العسكرية كطريق للحل، وهو الموقف الذي أجمعت عليه الادارتان السابقة والجديدة، مع تأكيد الأخيرة وقوفها بقوة إلى جانب المملكة العربية السعودية ضد كل ما يهدد أمنها وحدودها، وهو التأكيد الذي لا يخلو من نبرة تهديد واضحة  ضد ايران باعتبارها أبرز خصوم الولايات المتحدة والمملكة السعودية.

وفيما تظهر مؤشرات التصعيد في الحرب الأمريكية على الإرهاب من خلال تكثيف الغارات الجوية وقصف طائرات الدرونز مواقع يشتبه تبعيتها للقاعدة في مناطق جنوب ووسط اليمن، تتواصل معارك الساحل الغربي اليمني على البحر الأحمر بين القوات الحكومية المدعومة من الخليج من جهة، والحوثيين المدعومين من إيران من جهة ثانية، وهو الساحل الذي يبدأ من الممر الدولي لمضيق باب المندب ثم يتجه شمالا إلى الحدود الجنوبية للسعودية، وفي إصرار كل طرف على السيطرة على الساحل الذي يضم عددا من الموانئ والمنافذ المهمة تتأكد الأهمية الاستراتيجية لهذا الساحل، وهو ما يعني أن أي تغير في مسار هذه المعارك لصالح هذا الطرف أو ذاك بإحراز تقدم ملحوظ، سيكون له بكل توكيد، أثره المباشر على مجريات الحرب في بقية جبهات القتال أولا، وفي تحديد صيغة الحل السياسي ثانيا.

وفي كل الحالات تبقى الولايات المتحدة الأمريكية حاضرة في هذا الحيز الجغرافي المهم، عبر الوجود العسكري للقواعد الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب من ناحية، ومن خلال التأثير المباشر في الملف اليمني باعتبارها (الولايات المتحدة) أبرز رعاة العملية السياسية في البلاد، ولها صلات وثيقة مع جميع الأطراف والقوى المعنية، بما في ذلك جماعة الحوثي التي ترفع شعار (الموت لأمريكا)،فضلا عن حضور الولايات المتحدة الأقوى في صعيد الحرب على الإرهاب، وهي الحرب التي أعلنتها عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001،ومنذ باشرت الطائرات الأمريكية ضرباتها منتصف العام 2002 شمال شرق البلاد، لا تزال اليمن أحد أبرز ساحات الحرب الأمريكية على الإرهاب، وهذا ما يمكن استنتاجه من التصعيد الامريكي الأخير ضد تنظيم القاعدة عبر سلسلة متواصلة من الغارات الجوية التي طالت محافظات البيضاء وأبين وشبوة.

14 مارس 2017

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *