حلب.. من الربيع العربي إلى الخريف الفارسي

 

 

اسْكُتوا

لا صوتَ يعلو

فوقَ صوتِ النائِحَـهْ

نحنُ أمواتٌ

وليستْ هذهِ الأوطانُ إلاّ أضرحَـهْ

قُسِّمَتْ أشلاؤها

بينَ دِبابٍ ونسورْ

وأُقيمتْ في زواياها القصورْ

لكلابِ المشْرَحَـهْ !

* * *

أيُّها الماشونَ ما بينَ القبورْ

أيُّها الآتونَ من آتي العصورْ

لَعَنَ اللهُ الذي يتلو علينا الفاتِحَـهْ!

أحمد مطر من قصيدة “المنتحرون”

سقطت حلب.. ونحن الذين سقطنا وأسقطناها معنا، فلا تلقوا باللائمة على المعتدين مهما أسرفوا في ارتكاب الجريمة، وماذا كنتم تنتظرون من آلاف القتلة الذين حشدتهم إيران وروسيا وعملائها في عصابات الأسد ومليشيات أحزاب طهران وأكثر من ستين فصيل إرهابي وإجرامي يحملون رايات الحسين والزهراء..

لا تلقوا باللائمة على الخصوم والأعداء ما دمنا نحن جميعا متواطئون على اسقاطها كما سقطت بغداد ودمشق وصنعاء، كل من تآمر على الربيع العربي هو متآمر بالضرورة على حلب، ألم تخرج حلب مثل القاهرة وتونس وطرابلس وصنعاء وعدن في ركب الثورة العربية؟ الثورة التي تآمرتم عليها في كل بلدان الربيع ثم حولتموه إلى أزمات سياسية وحروب أهلية ونزاعات طائفية وصراعات مذهبية؟

خرجت حلب الشهباء لتنتصر للثورة والربيع فسلمتموها للعصابات من كل صنف ولون يختبرون قدرتهم في اقتراف الإبادة بكل وحشية وخسة، ثم جئتم تبكون أو تتباكون لأنها سقطت.. وكأنها سقطت فجأة، ولم تكن هناك مقدمات تؤشر إلى اقتراب قيامتها.

كانت حلب في صف الربيع العربي الذي وقفتم أنتم في وجهه وآثرتم مواجهته، حتى تحول إلى خريف دامي، يحمل بصمات إيران وبراميلها المتفجرة وفي المقابل صمتكم وخذلانكم، ألم تتآمروا على ربيع مصر وتونس حتى جئتم بمن ثارت الشعوب عليهم من سيسي وسبسي؟ ألم تعملوا على إجهاض ثورة ليبيا واليمن كي تفتحوا الطريق لأقذر المخلفات وأحقر الكائنات أمثال حفتر وحوثي؟ فمن سيصدق أنكم ستنصرون الثورة في حلب؟ أو تنتصرون لثوار درعا ودير الزور؟

من هبوا في مواجهة الربيع مثل الأسود، فروا من مواجهة خريف إيران مثل الفئران..

كانت مدائن مصر واليمن والشام وشمال أفريقيا تغلي ثورة وحرية فآثرتم أن تخمدوا أنفاس الشعوب لكي تتنفس مرجعيات قم وطهران، ولكي تتمدد أذرع الحرس الثوري وإيران، فلا تلوموا في سقوط حلب إلا أنفسكم ومخابراتكم ووسائل إعلامكم التي ظلت تشيطن الديمقراطية والثورة والأحزاب والربيع العربي لكي يتسيد المشهد أتباع قاسم سليماني والإعلام الحربي في المنار والعالم والمسيرة، فلا تحلموا بالنصر وأنتم تتآمرون على من يفترض أنكم وهم في جبهة واحدة، إيران رغم مساوئها لكنها لا تتآمر على أي فصيل شيعي مهما اختلف عن ولاية الفقيه لديها ومذهبها الاثني عشري.

كانت حلب.. وستبقى حلب.. تاريخها أقدم من التاريخ ذاته، ومجدها أعظم من المجد نفسه..

كانت منذ الأزل، وستبقى إلى الأبد، كبرى مدن الشام وأقدم مدينة في العالم، حلب الشهباء موجودة قبل العرب والفرس واليهود والرومان، ومن حاز هذا المجد لا يليق باسمه أن يرتبط بأسمائكم الطارئة وألقابكم المغمورة، وعزائمكم الخائرة وجيوشكم الخائفة.

عاصرت حلب الحثيين والآراميين والآشوريين، والهيلينيين والبيزنطيين حتى استقرت في رحاب الدولة الإسلامية، وكانت عاصمة الحمدانيين، كما كانت في الزمن الغابر عاصمة الأموريين، واليوم باتت تحت رحمة مليشيات لا ترحم، وفي قبضة عصابات القتلة المأجورين واللصوص من كل أصقاع الأرض، بعدما قيل لهم أنه سيتم الثأر من قتلة الحسين في حلب.

مرت أمامها الدول والحضارات بكل اللغات والديانات فظلت شامخة زاهية تطاول السماء رفعة ورسوخا، وتداني الجبال عزة وشموخا.. ما الذي سيناله الغزاة منها غير قتل الأبرياء وإبادة الأحياء والأشياء والأفياء؟ وهاهم يفعلون، أعدموا المدنيين في الميادين العامة انتقاما من حلب الثورة، وإجراما بحق الإنسانية وكل القيم والمبادئ، وسيكتفي مجلس الأمن بجلسة يتيمة، وتخرج الجامعة العربية ببيان باهت، لتتواصل حرب الإبادة في حلب.

لكنها مع ذلك ستبقى أكبر من كل عصابات المجوس ومرتزقة إيران.. ومن كل شذاذ الآفاق الذين جلبهم الفرس انتقاما من هزيمتهم في القادسية التي أسقطت امبراطوريتهم وإلى الأبد، ومحال أن يُـرجع المجوس حضارتهم، حتى ولو دمروا كل حجر في حلب.. بقيت حلب في المرة الأولى ورحل أسلافهم إلى الجحيم.. وستبقى حلب ويرحلون إلى الجحيم مرة أخرى.

 حلب التي تدمر اليوم كانت وسوف تبقى آية العرب الشاهدة على سقوطهم، أسقطت الحرب آثارها ودمر القتلة معالمها، لكن وجهها سيبقى في ملامح الحلبيين شهداء وجرحى، مشردين ومنفيين يحملون جراحها وتحمل أوجاعهم، يحملون آلامها فتحمل آمالهم.

بقي ثمة ما يجدر الإشارة إليه في ما يتعلق بحلب خاصة وسوريا عامة، وهو أنه لولا كتب الله النجاة لليمنيين بعاصفة الحزم لتحولت عدن إلى حلب أخرى، ولكانت تعز إدلب ثانية، ولواصلت مليشيات الشيعة العبث بكل ما له صلة باليمن تاريخا وحضارة وثقافة واقتصاد ومقومات وخدمات، وفي ما يحصل اليوم بحلب شهادة وإشادة بعاصفة الحزم التي جنبت اليمن السقوط في وحل المستنقع الإيراني.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *