الحرب في اليمن.. انقلاب ومقاومة وتحالف

 

خلال أقل من عامين ذاق اليمنيون، ولا يزالون، أصنافاً شتى من المعاناة، حرب شاملة وتشريد متواصل، وحرمان من أهم مقومات الحياة، ناهيك عما تخلفه الحرب من دماء ودمار وأوجاع، وشهدت اليمن انقلاباً مسلحاً أسفر عنه، ولازمه وضع رئيس الدولة تحت الإقامة الجبرية، وهو الوضع الذي تمدد ليشمل رئيس الحكومة والوزراء وكبار مسؤولي الدولة، وأرغم الانقلابيون من بقي من مسؤولي الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة، على الاستسلام لحكام الأمر الواقع، ودخلت البلد دوامة من الفوضى لا حدود لها.

كل ذلك بفعل اجتياح مفاجئ للعاصمة اليمنية صنعاء ظهيرة الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول من العام 2014 من قبل جماعة “الحوثيين” المسلحة، وهي الجماعة التي ظلت تصنف باعتبارها “جماعة متمردة”، تتخذ من الفكر الزيدي “الشيعي” مرجعاً لهاً ومنطلقاً لتحركاتها، مع محاولاتها الدؤوبة تقديم نفسها كتيار سياسي وليس طائفي أو مذهبي.

ونتيجة للانقلاب والواقع الجديد المفروض بقوة السلاح، تعطلت العملية السياسية والحراك الثوري المتراكم منذ اندلاع الثورة الشعبية التي انطلقت بداية العام 2011 على وقع زلزال الربيع العربي، وتم تجميد نتائج مؤتمر الحوار الوطني، وحكومة الوفاق الوطني، ومواد الاتفاقية السياسية التي نظمت الانتقال السلمي للسلطة المعروفة باسم “المبادرة الخليجية”، التي وقعت عليها أطراف العمل السياسي أواخر العام 2011 بالعاصمة السعودية الرياض.

وإزاء هذا الخراب المتنامي كانت أوراق السياسة والحوار تتراجع وتفقد بريقها، ليحل السطو المسلح على كل شيء في الدولة والمجتمع خياراً جاثماً تفرضه الجماعة التي لا تُخفي ارتباطها بالمرجعيات الإيرانية وبالدعم السخي مالاً وتدريباً وأسلحة، وباتت تُعرّف نفسها بـاسم “أنصار الله”، تبعه سقوط متسارع للمؤسسات الكبرى، وأهمها الأمن والجيش والنفط والبنوك والقضاء والإعلام في قبضة الأنصار القادمين من أقصى الشمال، الأمر الذي جعل نائباً في مجلس الشورى الإيراني، يُدعى “علي حسن زاكي” يجزم قائلاً: العاصمة اليمنية صنعاء هي رابع عاصمة عربية تسقط في أحضان الثورة الإسلامية “الإيرانية”.

وشرعت الجماعة في تغيير ما يلزم من أنظمة ولوائح وقيادات حتى يتلاءم مع الواقع الجديد، واقع “السقوط” الذي قصده الإيراني زاكي، وتعهدت إيران بدعم اليمن الجديد الذي أخذ يتشكل مطلع العام 2015، بمختلف أشكال الدعم اللازم.

وفي غضون أيام قليلة كانت الجماعة قد سحبت الآلاف من قطع الأسلحة المتوسطة والثقيلة من مخازنها إلى أطراف محافظة صعدة شمالاً، على مقربة من الحدود مع المملكة العربية السعودية، حيث أطلق القائمون على اليمن الذي سقط “مناورة عسكرية” دفعت زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، ذا الـ36 عاماً للتلويح بالخيار العسكري تجاه أي تهديد داخلي أو خارجي، ويقصد بالداخلي بعض المحافظات الواقعة في وسط وجنوب البلاد؛ لأنها لم تكن قد خضعت فعلياً لسلطته، أما التهديد الخارجي فهو واضح من شعار الجماعة الأزلي “الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل”، ويدخل معه بالضرورة كل من لا يوافق السياسة الإيرانية أو يعارض تمدد أذرعها المسلحة في المنطقة.

وحينما كانت الأمم المتحدة عبر مبعوثها السابق إلى اليمن السيد جمال بنعمر، تسعى لجمع أطراف العملية السياسية على طاولة حوار تخفف من احتقان المشهد وتحد من تغـوّل الجماعة الأكثر تطرّفاً ونزوعاً نحو العنف المسلح، كانت الجماعة ذاتها قد أحكمت سيطرتها على معسكرات الجيش وأخذت تعلن ساعة الصفر لاقتحام المحافظات التي لم تكن قد التحقت بموكب “السقوط” الذي باشرته صنعاء ذات خريف.

وشهدت الطرق الرئيسية الرابطة بين شمال اليمن وجنوبها، حركة دؤوبة متجهة جنوباً بالأعداد الضخمة من المسلحين والعتاد الهائل من الأسلحة، وحين كانت عدن كبرى مدن الجنوب اليمني على وشك السقوط طلب الرئيس عبدربه منصور هادي، نجدة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، إزاء الهجوم المرتقب، بعد استنفاد جميع الطرق والوسائل الممكنة، وبعدما تعطلت لغة الكلام بين الفرقاء السياسيين.

وفي ظهيرة الـ25 من مارس/آذار 2015 كانت مجاميع كبيرة تتبع الانقلاب تقف على المداخل الشمالية والشرقية لمدينة عدن تمهيداً لاقتحامها، وإحدى مقاتلات الجيش اليمني كانت تحلق فوق قصر الرئيس هادي بعدن وتباشر قصفه الجوي، في واقعة ما كان لها أن تحدث لو لم يكن الجيش نفسه قد سقط وبات سلاحه مصوباً نحو الرئيس الذي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وحينما كانت الطائرة تواصل “السقوط” كانت مذيعة إحدى الفضائيات العربية تسأل على الهواء، كاتب هذه السطور عما يجري، فقال: بلد عربي آخر “يسقط”..

منشور على منصة هافينغتون بوست 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *