“اليقطينة”.. رواية عن الحب والحرب والثورة في اليمن

 

عدن ـ”رأي اليوم” ـ فؤاد مسعد:

صدر الشهر الماضي عن نادي السرد في اليمن، رواية اليقطينة للكاتب/محمد مسعد العودي، أستاذ الأدب والنقد بجامعة عدن، موزعة على 27 وحدة سردية في 312 صفحة من القطع المتوسط.

وتبدو الرواية مزيجا متجانسا بين الواقعي والمتخيل؛ بين البوح بذكريات خاصة، والنبش في وقائع عامة مشهورة ومشهودة، تبدأ أحداثها قبيل انطلاق ثورة أكتوبر/تشرين سنة 1963 ضد الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، ولا تنتهي بالثورة ضد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي حكم البلاد في الفترة  (1978:2011).

وإن كانت الرواية تتخذ من قرية “العقلة” الواقعة جنوب الشريط الحدودي الفاصل بين شمال اليمن وجنوبه قبل إعلان الوحدة بينهما في مايو/آيار 1990، منطلقا لها فإنها لم تقتصر عليها، وكلما تحرك السارد خارجها وبعيدا عنها تحركت معه.اعتمدت “اليقطينة” في سرد الأحداث على طريقة الاسترجاع الذي يبدأه السارد، وهو نفسه بطل الرواية، منتصف العام 2011 إبان مشاركته في فعاليات التصعيد الثوري ضد صالح ونظامه، وفي لحظة داهمه الشعور باليأس من نجاح الثورة/الثورات العربية في تحقيق اهدافها، ليقرر تحت وطأة الشعور نفسه أن ثمة “مؤامرة دولية تحول دون وصول ثورة اليمن إلى غايتها.. ثورة ليبيا لم تصل إلى هدفها.. ثورة سوريا هي أيضا تعاني…”، ص3. ومن هنا تتوارد المشاعر والخواطر والأفكار والذكريات ليبدأ السرد، كما فعل عماد زكي في روايته “البحث عن امرأة مفقودة”.

وحفلت الرواية بكثير من الدلالات والأبعاد الرمزية التي لن تخطئها عين الباحث والناقد إن تجاوزتها عين القارئ العادي، وكلما زادت ذخيرة المتلقي بمضامين تاريخية ولغوية كان أكثر قدرة على سبر أغوار النص الغني بوقائع التاريخ وحقائق الجغرافيا، والحافل بالصور والرموز والاضاءات المتوالية لخفاياه الكامنة في التكثيف تارة وفي الترميز تارة أخرى.

وما يمكن ملاحظته للوهلة الأولى أن الدكتور العودي، وهو ناقد جريء وشاعر مجيد وسياسي حاضر في المشهد، أجاد من كل ذلك في تقديم عمل روائي ببعد تاريخي عام ومقاربة سياسية خاصة، لا يمكن تجاوزه، خاصة وقد أفاد كثيرا من ثروته المعرفية في الفكر والفلسفة والتراث والثقافة، فضلا عن امتلاكه تقنيات سردية اكسبت النص حيويته ومنحته التشويق والإثارة.ويحضر عنوان الرواية “اليقطينة” متصدرا قائمة طويلة من الرموز المبثوثة في ثنايا النص، واليقطينة شجرة معروفة لكنها وفق بعض الاساطير ومنها اسطورة “عامر وتاج” الموجودة في الرواية، تبدو على ارتباط وثيق بعودة الحياة، وما يجعلها هنا قريبة من الدلالة ذاتها، أنها تحضر في سطور النص كلما لاحظ السارد  انبعاث أمل جديد في الحياة، وبما أن المشهد المأساوي الذي ختم الرواية حمل عنوان “تحت الركام” مع الإشارات الواضحة إلى أن الثورة مستمرة، فاليقطينة ربما تأتي تعبيرا عن التفاؤل بانبلاج حياة جديدة؛ كما حدث مع النبي يونس الذي كانت شجرة اليقطين علامة على بدء حياته الجديدة إثر خروجه من البحر.

ومادامت الرواية قد اختارت قرية جنوبية على الحدود مع الشمال مسرحا رئيسا لها، فلابد أن تتعرض تلميحا أو تصريحا لجدلية الوحدة/التشطير وثنائية الجنوب/الشمال، وما يرتبط بها من صراعات ونزاعات وآمال وآلام، ويظهر السارد نفسه أبرز أثر تتجلى فيه ثنائية اليمن، فهو شمالي الأب جنوبي الام، أو جنوبي النشأة شمالي الأصل، كان والده القادم من الشمال أحد مناضلي ثورة الجنوب قبل الاستقلال ثم أصبح أحد كوادر دولة الجنوب، وغدا منصبه وكيلا لوزارة الثقافة، لكن الثنائية ذاتها تطل من جديد حينما يجد البطل قلبه مشطورا هو الآخر بين حبيبتين، سهى صديقة طفولته وابنة الجيران في قريته، وسمية ابنة عمه، الأولى جنوبية تنتمي لمنطقة الضالع، والثانية شمالية تنتمي لمحافظة ذمار، وفي أوج صراعه الداخلي تختفي إحداهما لتفسح المجال للأخرى التي يعاجلها القدر بالقتل صبيحة زواجها بطلقة غادرة.. لتظهر التي كانت مختفية وقد صار اسمها “سهية”، والاسم هو حاصل دمج الاسمين سهى وسمية، وبعد فترة يرتبط بها البطل، لكن الصراعات السياسية تجهز على أحلامه من جديد بعدما أصبح أستاذا جامعيا، فينطوي على احزانه، لكنه حين انطلاق ثورة الربيع العربي كان في طليعة الثائرين.ورواية اليقطينة هي ثالث عمل سردي للدكتور محمد العودي، بعد “الغادرة” والنفس اللوامة”، كما صدر له ثلاثة دواوين شعرية، هي: “المساء والأنثى وشيء اخر”، “لذة الألم”، ودموع البن”، والأخير يضم قصائده الثورية التي كان يكتبها ويلقيها في ساحات الثورة وميادين الاحتجاجات ضد صالح ونظامه، وأصدر عددا من  الدراسات الأدبية والنقدية، من أهمها “الصورة في شعر المقالح”، و”التناص في شعر البردوني”، وله تحت الطبع ديوان يحمل عنوان “عذابات آدم”، ودراسة نقدية حول “جذور التناص”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *