هكذا تكلم مستشار الرئيس اليمني

 

 

الحقائق التي كشف عنها الدكتور/عبدالكريم الإرياني المستشار السياسي للرئيس اليمني/عبدربه منصور هادي، في مقابلة صحفية أجرتها معه صحيفة سبتمبر التابعة لوزارة الدفاع، جاءت في بعض مضامينها  صادمة لكثيرين، وأثارت لدى آخرين كثيرا من الأسئلة وعلامات الاستفهام، غير أنها – في تقديري- وضعت النقاط على الحروف في قراءة المشهد اليمني الحاضر بإنصاف ووعي وموضوعية، على الرغم مما يمكن أن تقابل به من رفض وتشكيك لدى الطرف/الأطراف التي أشير إلى ضلوعها في تقويض بناء الدولة والتمهيد لسيطرة الميليشيا الحوثية (الشيعية) التي بسطت نفوذها على العاصمة صنعاء منذ 21 سبتمبر/أيلول الماضي.

ولعل أهم ما قاله المستشار الإرياني في هذا الشأن: (الوضع الذي نعيشه اليوم هو وضع شاذ بكل ما في الكلمة من معنى، لأن هناك دولة بهياكلها ووزاراتها ومؤسساتها لا تحكم. وهناك فئة سياسية جديدة على المسرح هي التي تتحكم).

وأضاف الإرياني: (ما نراه في كل مؤسسة وفي كل وزارة تصرفات قوة سياسية طابعها عسكري ولا يحكمها القانون..)، ثم أردف: (يؤسفني أن أكون قاسيًا.. لكن الكذب على الشعب محرم).

وتكشف العبارة الأخيرة أنه لم يكن يحب الخروج عن السياق الذي دأب عليه الساسة وهم يوصفون أوضاع معقدة كما هو الحال في اليمن، لولا إيمانه الجازم أن الكذب على الشعب في هذا المقام يقع في دائرة المحرمات، ذلك أن الوضع لم يعد يحتمل المزيد من الأكاذيب.

ويعرف الدكتور الإرياني في اليمن ولدى بعض الفاعلين في الشأن اليمني إقليميا ودوليا، كسياسي مخضرم ودبلوماسي حصيف منذ أربعين عاما،  حين غدا وزيرا للتنمية ورئيسا لهيئة التخطيط المركزية في العام 1974، ليتنقل بعدها في عدد من المواقع الحكومية، منها رئاسة الوزراء في أكثر من حكومة، وصولا لتعيينه مستشارا سياسيا للرئيس اليمني في مايو/أيار 2012.

قبيل سقوط العاصمة صنعاء في قبضة ميليشيا الحوثيين كان الإرياني يمثل رئيس الجمهورية في حوار ثنائي مع ممثلين عن جماعة الحوثي، واستمر الحوار يومين كاملين، حرص الحوثيون على مناهضة “الوصاية” من دول الإقليم والمجتمع الدولي في فرض أجندات خارجية على اليمن، لكن الإرياني كان يحاورهم في كل موضوع يطرحونه دون أن يقطع الحوار لإجراء اتصال بالرئاسة أو أي طرف آخر يتوقع أنه يمارس الوصاية، بينما محاوروه الذين يعانون من حساسية مفرطة تجاه “الأجنبي” و”الخارجي”، ويرفعون شعار “الموت لأمريكا وإسرائيل” و”اللعنة على اليهود”، كانوا – بحسب ما ذكر الإرياني – يقطعون الحوار في الساعة الواحدة أكثر من مرة للتواصل مع زعيم الجماعة المقيم في محافظة صعدة أقصى شمال البلاد، وفي اللحظة التي كان مقررا أن يوقع الطرفان على ما تم الاتفاق عليه فوجئ الإرياني والوزير عبدالقادر هلال بممثلي الحوثي يتقدمون بقائمة مطالب مغايرة لما جرى نقاشه، ليجد نفسه مضطرا لإعلان فشل الحوار.

إلى هنا ليس في الأمر ما يثير الدهشة لأن ممثلين آخرين واجهوا في مواقف مماثلة ما واجه الإرياني وهلال من تعنت الحوثيين وعدم التزامهم بالاتفاقيات، ولدى اليمنيين تجارب سيئة كثيرة للأسف في هذا الجانب، وفي أكثر من محافظة.

غير أن ما أثار دهشة الإرياني أنه بعد يومين من إعلانه فشل الحوار، جاء مبعوث عماني من مكتب السلطان قابوس، ضمن جهود وساطة بين الحكومة اليمنية والحكومة الإيرانية، وهو يحمل معه نص المسودة التي كان يفترض التوقيع عليها.

وهنا يعلق الدكتور الإرياني قائلا: (يعني أننا تفاوضنا في صنعاء وقــُبل النص في صعدة وأُرسل إلى طهران ثم ذهب إلى مسقط ومن مسقط عاد إلى صنعاء).

ولا يزال الطرف المعني بالأمر يقدم نفسه باعتباره وكيلا حصريا لـ”السيادة” مهمته مواجهة “الوصاية الأجنبية”، وسيرى في مقابلة الإرياني دليلا على وجود مؤامرة كوينة ضد “الشعب اليمني”، وهذا شيء معروف لكل من يتحدث عن سيطرة المسلحين وينتقد ممارساتهم.

ومن الأهمية أن نشير إلى أن ما قاله الإرياني هو واقع يعيشه اليمنيون ويشاهدونه يوميا، لكن الجديد في حديثه هو المكاشفة الجريئة لوضع وصفه بـ”الشاذ”.

وفيما يتعلق بنهب أسلحة الجيش التي قام بها الحوثيون، وعدم التزامهم بتسليمها قال الدكتور الإرياني إن هذا يشبه موقف الإمام المتوكل على الله إسماعيل قبل أربعمائة سنة، حين خاض حروبًا كبيرة من رداع إلى يافع والبيضاء (وسط وجنوب اليمن)، وعمل ما عمله فقال له أحد الفقهاء: ألا ترى في ما تفعله شبهة.. قال بالحرف الواحد: “لا يحاسبني الله على ما أخذته منهم ولكن على ما تركت في أيديهم”)!! وهو لا يجد فرقا بين الموقفين خاصة وأن المتوكل وأحفاده من الحوثيين يجتمعون على فكرة واحدة وتجمعهما ذات السلالة التي تدعي ارتباطها ببيت النبوة.

 

 

مقال نشرفي موقع رأي اليوم 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *