عن الوباء الذي ينتشر في الجسد اليمني العليل

 

أدت التشوهات العالقة بالنظام السياسي اليمني لخروج اليمنيين في ثورة فبراير الشعبية في العام 2011م، غير أن جملة ظروف وملابسات داخلية وخارجية حالت دون إنجاز الثورة أهم أهدافها، ما أعاق حركة التغيير المأمولة رغم إزاحة صالح وأبرز رموز نظامه عن السلطة، وبدورها دفعت هذه الأوضاع التي كانت نتاجا طبيعيا ومتوقعا لـ”نصف ثورة” لظهور الحوثيين كتنظيم ميليشياوي مسلح يعتمد الحروب والصراعات ومواجهة الخصوم وسيلة وحيدة للسيطرة على الأرض وفرض نفوذه كأمر واقع على الجميع،  فكانت حروب دماج وكتاف وحرف سفيان وحاشد وأرحب وهمدان الجوف وعمران، وأخيرا العاصمة صنعاء وذمار والبيضاء وإب والحديدة، والبقية تأتي..

وبدا واضحا أن الظاهرة الحوثية كعصابة تحمل السلاح لممارسة العنف، أخذت تنتشر على الأرض كما ينتشر الفيروس القاتل في الجسد الهزيل الفاقد المناعة و العاجز عن المقاومة، لذا نرى أن ثمة مقاومة تتصدى للمرض في أجزاء حيوية عديدة لا تزال تمتلك مقومات مقاومة الوباء القادم.

وكان من الطبيعي أيضا أن يؤدي انتشار الحوثيين بهذا الشكل أن تظهر جماعة “أنصار الشريعة” المرتبطة بتنظيم القاعدة، ضمن معادلة تقوم على نشوء ردة فعل لكل فعل، تساويه في المقدار وتناقضه في الاتجاه، وبدت القاعدة هي النقيض للحوثيين من حيث المذهب والأيديولوجيا لكنها تتساوى معهم في استخدام السلام واعتماده وسيلة التفاهم الوحيدة مع الأطراف المحيطة.

لم تستطع مكونات الثورة أن توقف نهم الحوثي وسعيه الدائم للسيطرة، كما لن يستطيع الحوثيون أنفسهم استنهاض أطراف العملية السياسية ومكونات القبيلة لمواجهة القاعدة مهما كان خطرها وخطورتها على المشهد السياسي والأمني، إذ تكشف الأخيرة منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء أنها ستتكفل بتوجيه الرد القاسي والمؤلم لمسلحي الحوثي الذين لم يوقفهم اتفاق أو تردعهم هيبة الدولة، كما ولم تتمكن مخرجات الحوار الوطني -الذي شاركوا فيه- من كبح جماحهم أو تحد من هيجانهم المتصاعد.

قد تتشكل الحكومة وفق ما يتفق عليه المعنيون في الرئاسة والأحزاب والحوثيون، لكن هذا لن يغير في المضمون شيئا، حيث السيطرة لا تزال رهن القوة العسكرية التي باتت حكرا على الجماعات الإرهابية من حوثيين وقاعدة، خاصة وقد ثبت جليا ضعف الدولة والجيش ولم يعد مجديا الرهان على المؤسسات الحكومية.

لا تزال المواجهات على الأرض هي الفاعل الأبرز وصوتها هو الأعلى، وعلى ضوء النتائج التي تتمخض عنها تتكشف حقائق ومعطيات جديدة، وسيكون الساسة – كغيرهم- في انتظار ما يتقرر في جبهات المواجهة المفتوحة في أكثر من موقع وعلى أكثر من طرف.

تراهن بقايا نظام صالح على توسع جماعة الحوثي في مناطق جديدة، لأسباب عديدة أهمها الرغبة في مواصلة الانتقام من خصومها المشاركة في الثورة الشعبية من أحزاب وقبائل ووحدات عسكرية محسوبة على الثورة، كما تسعى للاستفادة من خلال هذه الفوضى في الإبقاء على بعض مكاسبها غير المشروعة، خاصة تلك التي تم الإبقاء عليها بفعل الحصانة والمحاصصة التين كانتا من أهم مضامين المبادرة الخليجية الموقعة بين الأطراف السياسية اليمنية أواخر العام 2011م.

وفيما ينسف الحوثيون بقوة السلاح بكل ركائز العملية السياسية السلمية زاعمين أنهم بذلك يخلصون اليمن من الوصاية الخارجية، لكنهم لم يقتربوا شبرا واحدا من المساس بالحصانة الممنوحة لصالح وأقطاب حكمه، وهم بهذه الانتقائية التي تبعث على الاطمئنان وليس للشك، يثبتون صحة التحالف مع صالح ورجاله، وهو التحالف الذي فرش لهم الأرض ورودا من خارج كهوف مران حتى جبال رداع وسواحل الحديدة.

حاليا ينشب الصراع المسلح بين طرفين نقيضين هما الحوثيون و القاعدة، بالإضافة لما يمكن أن يقوم به مسلحو القبائل و التشكيلات الأهلية من مواجهة المخاطر وفق ما تراه مناسبا.

وإذا كان الحوثيون في مواجهاتهم الأخيرة يتساءلون عن شرعية القاعدة فمن المهم تذكيرهم أن القاعدة لا تبحث عن شرعية شبيهة بالتي يتمنطق بها الحوثيون، ذلك أن القاعدة ترى في انتشار مسلحي الحوثي في مناطق سنية منذ مئات السنين مبررا شرعيا ووجوديا لها في الحرب عليهم، فضلا عن أن الحوثيين أنفسهم منذ قرروا شن الحروب على الدولة و الجيش والقبائل و الأحزاب والصحف و المساجد لم تكن تسندهم أي شرعية- ولا يزالون من مجردين من هذه الشرعية باستثناء ما يمنحون به أنفسهم باعتبارهم وكلاء الله وأنصاره الذين انتدبتهم العناية الإلهية – بموجب الولاية – لمحاربة القاعديين و الدواعش- وكل من يعترض طريق (مسيرتهم القرآنية) هو قاعدي وداعشي.

لا جديد في الأفق القريب ما لم تكن هناك معجزة تنتشل البلد مما وصل إليه بفعل رعونة الحوثيين وسلاحهم الطائش، والمشكلة لدى الحوثيين تتجلى في انفصامهم بين العنف والإرهاب كممارسة و الخطاب التضليلي من حيث الادعاء، إذ لا تزال كلماتهم وبياناتهم وتصريحاتهم تدين العنف بينما سلوك منتسبيها غارق حتى الأذنين في مستنقع العنف.

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *