ماذا فعل الحوثيون في صنعاء؟ حصاد شهر من سيطرة الميليشيا

 بحلول اليوم الأربعاء 22 أكتوبر/تشرين يكون قد إنقضى شهر كامل على سقوط العاصمة اليمنية صنعاء في قبضة الميليشيا الطائفية المسلحة “الحوثيين”، وهو الحدث الذي لم تستوعبه الغالبية العظمى من اليمنيين حتى اللحظة.

كان يمكن التنبؤ بما يمكن أن تفعله جماعة مسلحة تخوض حرباً على الدولة والمجتمع منذ أكثر من عقد من الزمن حينما تسيطر على أغلب مرافق الدولة ومعسكرات الجيش والمؤسسات العامة والخاصة، لكن ما فعله الحوثيون خلال الأيام القليلة الماضية فاق التصور، وأعطى إنطباعاً سلبياص عن الجماعة وممارساتها التي لا تختلف عن أي ميليشيا مسلحة، خصوصاً وهي تنطلق من كونها حاملة الحق الإلهي في الولاية باعتبار المنتسبين إليها “أنصار الله”، كما يطلقون على أنفسهم، ناهيك عن أن الحوثيين يزعمون أنهم من سلالة الرسول الكريم وأنهم آل بيت النبوة، ما يعني احتكارهم لعديد صفات وميزات ليست لدى غيرهم، كما وأن ما يرتكبونه من جرائم ليس سوى شعائر مقدسة في ما يعتبرونها “المسيرة القرآنية”.

منذ اللحظة التي سقطت فيها صنعاء مارس الحوثيون أبشع الجرائم من قتل ونهب وسلب واقتحام واعتداء، ولم يكتفوا بما فعلوه بصنعاء ولكنهم رأوا فيها مقدمة لما بعدها، وقرروا توسيع رقعة سيطرتهم بالتمدد جنوبا وغربا في محافظات الغرب والوسط (ذمار والبيضاء وتعز وإب والحديدة)، مستخدمين ذرائع لا تختلف عن ذرائع الولايات المتحدة الأمريكية التي يزعمون أنهم يحاربونها ويصرخون في شعارهم الدائم: “الموت لأمريكا”، وذلك حينما يبررون مهاجمة المحافظات الأخرى بدعوى محاربة الإرهاب وداعش والقاعدة، وعلى من ينتقد هذه الممارسات أن يستعد لتقبل تهمة كونه “متعاونا مع القاعدة ومناصرا لداعش” إن لم يكن عنصرا إرهابيا حسب توصيف الحوثيين لخصومهم وجميع من لا يوافقهم، كما تفعل إسرائيل ووسائل إعلامها حين تطلق على منتقدي سياستها تهمة “العداء للسامية”، مع أنهم يصرخون أيضا “الموت لإسرائيل واللعنة على اليهود”.

  منذ سقوط صنعاء أواخر الشهر الماضي شن الحوثيون أربعة حروب في أربع محافظات لم يكن لهم فيها أي تواجد سوى رغبتهم في السيطرة وتوسيع دائرة نفوذهم، في الوقت الذي لا يزالون يحكمون سيطرتهم على عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة في صنعاء وعمران، كما ويهددون باستهداف محافظات أخرى.   

وحسب إحصائية أولية لمنظمة حقوقية يمنية فقد طالت جرائم الحوثيين مؤسسات حكومية مدنية وعسكرية ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات إعلامية، ومساجد ومنازل سكنية ومؤسسات طبية وتعليمية ومقار حزبية.

وقال مركز صنعاء للإعلام الحقوقي في تقرير أصدره مؤخرا،  أولي صادر عن مركز “صنعاء للإعلام الحقوقي” أن شكاوى المؤسسات والأفراد زادت جراء اقتحام الحوثيين مع استمرار توغلهم داخل شوارع وأحياء المدينة، ونشر المزيد من المسلحين ليحلوا محل الأجهزة الأمنية والعسكرية التي قال إنها مغيبة تماماً عن المشهد الراهن.

ورصد التقرير الذي أعده فريق يتألف من حقوقيين وإعلاميين محايدين، جملة انتهاكات وجرائم ارتكبت بحق مدنيين أبرياء، وتم تأكيدها عبر استمارات وكشوفات لمنظمات حقوقية شاركت في الرصد الميداني.

وفقا للتقرير ذاته فقد اقتحم الحوثيون 15 مؤسسة حكومية أبرزها القيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الدفاع وهيئة وقيادة الدفاع الجوي وقيادة المنطقة العسكرية السادسة و مواقع عسكرية أخرى، كما أن المؤسسات المدنية الحكومية التي تعرضت للاقتحام والنهب فأبرزها مبنى رئاسة الوزراء، ومجلسي النواب والشورى (البرلمان بغرفتيه) والبنك المركزي ومطار صنعاء الدولي وعدد من الوزارات.

وبالنسبة للمؤسسات الإعلامية فقد اقتحم الحوثيون ثمان مؤسسات منها وكالة الأنباء الحكومية وثلاث قنوات رسمية وفضائية خاصة بالإضافة لمؤسسات صحفية وإذاعات حكومية وخاصة أخرى. كما كشف التقرير عما تعرضت له المؤسسات التعليمية على يد الحوثيين من اقتحام ونهب للممتلكات، مشيرا إلى اقتحامهم (26) مؤسسة تعليمية منها جامعتان حكوميتان، وأربع جامعات أهلية، وأحد عشر مدرسة حكومية، وأربع مدارس أهلية،

  و أضاف إن (29) مقرا حزبيا وخمس مؤسسات طبية، بالإضافة لـ(62) منزلا سكنيا معظمها لقيادات سياسية وعسكرية وناشطين مدنيين، من بينهم الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان.

وفي ما يتعلق بالأندية الشبابية والمساكن الطلابية فقد داهم مسلحون حوثيون اثنين من الأندية و أربعة مساكن خاصة بالطلاب.

 أما المساجد فقد اقتحم الحوثيون (35) مسجدا في المدينة، كما اقتحموا عددا من مراكز تحفيظ القرآن الكريم ونهبوا محتوياتها.

وبالطريقة ذاتها اقتحموا قرابة (15) مؤسسة أهلية غير حكومية من بينها مؤسسات خاصة بالمعوقين والأيتام وجمعيات خيرية تقدم خدماتها للشرائح الأضعف في المجتمع.

انتهاكات حرية الصحافة و الإعلام

بالنسبة للحريات الإعلامية فلا تزال التنديدات والإدانات وإعلانات التضامن مستمرة، ويرددها أصحابها مع كل انتهاك جديد أو قديم يتجدد، بفعل الممارسات الوحشية للحوثيين الذين سعوا منذ سيطرتهم على صنعاء لإسكات كل صوت لا يبارك جرائمهم وعملوا على إغلاق كل منبر لا يردد صرختهم ولا يؤيد (مسيرتهم القرآنية) التي يسعون من ورائها لتقديم الخلاص للبشرية من كل ذنوبها.

قبل يومين ذكرت مؤسسة حرية للحقوق و الحريات الإعلامية أنها رصدت (52) حالة انتهاك ضد الإعلام المحلي والدولي في اليمن، منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، شملت مؤسسات حكومية وخاصة وصحفيين من الجنسين،

وفي تقرير لها قالت المؤسسة التي يرأسها الصحافي المستقل المعروف/ خالد الحمادي، إنها تلقت بلاغات في وقوع 52 حالة انتهاك ضد الاعلام والصحافة، تفاوتت بين الخطيرة والمتوسطة والبسيطة، تعرض لها (33) صحفيا وإعلاميا و(19) مؤسسة إعلامية وصحفية، حالة واحدة وقعت في مدينة إب و البقية في العاصمة صنعاء. مشيرة إلى أن عددا محدودا جدا ارتكب من جهات أخرى أما الغالبية فارتكبها الحوثيون.

وحسب التقرير فقد شملت هذه الانتهاكات “تعرض ثلاث قنوات حكومية هي قناة اليمن الفضائية وقناة سبأ وقناة الايمان لقصف مدفعي شديد وحصار لطاقم العمل فيها واقتحامها والسيطرة عليها بالكامل، بعد 3 ايام من القصف المتواصل على مقرها”.

وفي الصعيد نفسه ذكر التقرير أن المسلحين الحوثيين اقتحموا مقر قناة سهيل الخاصة ونهبوا أدواتها ومعداتها وأوقفوا البث منها بعد ما حاصروا العاملين فيها يوما كاملا داخل المقر، ولا يزالون يسيطرون على القناة حتى اليوم.

  إلى ذلك تعرضت إذاعة إب الحكومية للقصف المدفعي  وتعرضت مكاتبها للدمار الجزئي، وتوقف بثها منذ 3 أيام وحتى اليوم، كما تعرض مقر إذاعة حياة إف إم الخاصة للاقتحام وتوقف بثها جراء ذلك، وتم كذلك اقتحام مقار العديد من المؤسسات الاعلامية الحكومية في صنعاء والسيطرة عليها، وهي- بحسب التقرير نفسه- إذاعة صنعاء ووكالة سبأ للأنباء ومقر صحيفة وموقع (26سبتمبر) التابع لوزارة الدفاع، بالإضافة الى اقتحام مقر المكتب الاعلامي للحزب الاشتراكي اليمني بصنعاء الذي يدير موقع (الاشتراكي نت) الاخباري وصحيفة (الثوري).

وأضاف التقرير أن العديد من الوسائل الاعلامية الدولية وطواقمها العاملة في اليمن تعرضت للتحريض والتشهير والاعتداء على طواقمها وهي قنوات الجزيرة والعربية و(بي بي سي) و(سكاي نيوز) عربية وموقع (سي إن إن) بالعربية وصحيفة (القدس العربي) اللندنية.

وتعرض (33) صحفيا في صنعاء للاعتداء الجسدي والقصف والاقتحام لمنازلهم والعبث ونهب بعض محتوياتها وكذا التحريض والتشويه من قبل المسلحين الحوثيين وغيرهم، وفي مقدمة هؤلاء الاعلاميين المدير السابق للفضائية اليمنية عبدالغني الشميري والكاتبة الصحفية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الشموع الصحفية سيف الحاضري، ووزير الاعلام السابق البرلماني علي العمراني والمنتج في مكتب قناة الجزيرة يوسف قاضي، ومراسل موقع (الجزيرة نت) عبده يحيى عايش، ونائب رئيس الدائرة الاعلامية في حزب الاصلاح عدنان العديني.

كما تعرضت مراسلة قناة (بي بي سي) العربية صفاء الأحمد والطاقم المرافق لها للتوقيف ومصادرة المواد الفلمية التي قاموا بتصويرها في صنعاء، كما تعرض مراسل قناة (الجزيرة الانجليزية) محمد فال الى توقيف وتحقيق أمني في مطار صنعاء الدولي لنحو ساعة عند مغادرته صنعاء، كما تعرضت مراسلة موقع (سي إن إن) بالعربية نبيهة الحيدري الى حملة تحريض وتشهير من قبل مجهولين في مواقع الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي.

 

*الصورة خاصة بتقرير مركز “صنعاء للإعلام الحقوقي”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *