اليمن يحتفل بذكرى ثورة جريحة

 

 

 

 

999

مقالي في موقع رأي اليوم  

صادف الجمعة الذكرى الـ52 لثورة سبتمبر/أيلول 1962م التي أسقطت الحكم الملكي الإمامي المسيطر على اليمن منذ الف ومائة عام،

ويبدو الاحتفال هذا العام مختلفا عن الأعوام السابقة- وربما اللاحقة- بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن، فقبل أربعة أيام سيطرت جماعة الحوثي الشيعية المسلحة على أغلب مراكز ومؤسسات الدولة السيادية والعسكرية والأمنية و التعليمية و الصحية، واستولت على السلاح الثقيل بعد اقتحام المعسكرات المرابطة حول وداخل العاصمة صنعاء.

ولجماعة الحوثي التي تطلق على نفسها “أنصار الله”، صلة ارتباط فكري ومذهبي وأسري بالسلالة التي حكمت اليمن قبل الثورة، كما أن الجماعة نفسها لم تقبل الانخراط بشكل واضح في العملية السياسية، ولا تزال ترى في المواجهات المسلحة طريقها الوحيد لإثبات وجودها رغم أنها شاركت في مؤتمر الحوار الوطني الذي استمر عشرة أشهر وانتهى مطلع العام الجاري، وهو ما يثير مخاوف اليمنيين خاصة مع توارد الأدلة والقرائن التي تثبت ضلوع إيران في دعم الجماعة بالمال والسلاح، وصرح بهذا رئيس الجمهورية وكبار مسئولي الدولة أكثر من مرة.

وتعززت المخاوف والقلق بصورة أكبر حينما باشر الحوثيون اقتحام المنازل والمؤسسات العامة والخاصة ونهب بعض محتوياتها تارة بحجة محاربة القاعدة وتارة بحجة البحث عن مطلوبين للعدالة! والعدالة هذه لا صلة لها بالدولة وأجهزتها القضائية ومؤسساتها الامنية، ولكن عبدالملك الحوثي زعيم الجماعة حدد من هم المطلوبون للعدالة وبالتالي فإن عناصره مطالبة بالبحث عنهم تمهيدا لمحاكمتهم من قبل الجماعة نفسها.

جاء الاحتفال اليوم مشوبا بالخوف على مصير الثورة في ظل سيطرة من يفترض أن الثورة قامت عليهم، وما شهدته هذه الذكرى لم يكن سوى شكليات افترضتها الضرورة لا أكثر، والدليل انه تم الاحتفال رسميا في قاعة مغلقة تتبع وزارة الدفاع، لم تسلم من اقتحام الحوثيين والتقاط بعض عناصرهم صورا تذكارية وهم يجلسون على كراسي الوزارة وكبار قادة الجيش.

ورغم ان الحوثيين حاولوا أن يطمئنوا المجتمع المحلي أن سيطرتهم لا تشكل خطرا على الثورة، إن لم تكن امتدادا لها، لكن اليمنيين يدركون كيف تدير الجماعة المناطق الواقعة تحت سيطرتها بطرق بالغة القسوة تعبر عن عقليات ميليشياوية لا تأبه بالحياة العامة بقدر تركيزها على توسيع مناطق نفوذها بالحروب والصراعات التي بدأتها قبل عشرة أعوام في حدود منطقة تواجدهم في أحد أرياف محافظة صعدة.

يشعر اليمنيون- ومعهم كثير من الحقائق تعزز شعورهم– أن الحكومة المزمع تشكيلها قريبا ستكون صورية في ظل سيطرة جماعة مسلحة على القرار، والأحزاب التي عجزت عن إصدار بيان يدين ما أقدمت عليه الجماعة ذاتها لن يكون لها تأثير في المرحلة الراهنة، كما أن الكتاب والنشطاء والإعلاميين يتعرضون يوميا لانتهاكات واعتداءات وصلت حد مهاجمة منازلهم ونهبها والاستيلاء على المؤسسات الإعلامية، وتهديد المخالفين وترويع المواطنين، بل ومنازعة أجهزة الحكومة في القيام بدورها، حيث بات المسلحون الحوثيون هم من ينظم حركة المرور ويفتشون المارة، وبين من يخضعون للتفتيش مسئولون كبار وضباط وجنود في الأمن والجيش، كما منحت الجماعة نفسها حق تفتيش الطائرات والمسافرين على متنها الأمر الذي أزعج بعض شركات الطيران ودفعها لإيقاف حركتها من وإلى مطار صنعاء.

يحتفل اليمنيون اليوم بذكرى ثورة جريحة بعد خمسين عاما على انطلاقها، ويخشون عودة الماضي بكل مساوئه، خاصة وأن مؤسسات الدولة صارت تحت قبضة الميليشيا الطائفية، لقد فقد اليمنيون الأمل بالدولة وأمنها وجيشها بعد ما شاهدوا سقوطها المدوي، كما لم يعد لدى أغلب اليمنيين أي ثقة بما يمكن أن يقدمه المجتمع الدولي الذي ظل يهدد ويتوعد من يعرقلون الانتقال  السلمي في اليمن ويهددون السلم والأمن، لكنه صمت صمت القبور إزاء تمدد المسلحين وتوسعهم وسيطرتهم على محافظات بالكامل، وهو ما أغراهم وجعلهم يتوسعون في أكثر من مكان حتى تمكنوا الأحد الماضي من إحكام سيطرتهم على العاصمة صنعاء ومعسكرات الجيش وعدد من الوزارات المهمة والمؤسسات الكبرى.

 ينتظر اليمنيون معجزة تخلصهم مما آلت إليه الأوضاع، ولا شيء سيكبح جماع الميليشيا المنتشية بتحقيق نصرها العظيم كما تزعم، توجد الآن حالة رفض مجتمعي يمكن لها أن تتبلور في كيان سياسي يجمع القوى الرافضة لهيمنة السلاح، ويعمل على العودة إلى جادة العمل السياسي السلمي، وتحقيق ما يصبو إليه اليمنيون.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *